وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْحَيَاةِ، فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، كَغَيْرِ الْخُلْعِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ» . عَامٌ، وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ عِكْرِمَةُ مُرْسَلًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ وَقَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَدْ خَالَفَهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٌّ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقَوْلُهُمَا أَوْلَى. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ قَالَ: عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ. وَهُوَ أَصَحُّ عَنْهُ.
[فَصْل الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ]
(٦٣٠١) فَصْلٌ: وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَوْطُوءَةُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فِي شَغْلِ الرَّحِمِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ، كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَكَانَ مِثْلَهُ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَرَاءَةُ. وَإِنْ وُطِئَتْ الْمُزَوِّجَة بِشُبْهَةٍ، لَمْ يَحِلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ حَرُمَ وَطْؤُهَا لِعَارِضٍ مُخْتَصٍّ بِالْفَرْجِ، فَأُبِيحَ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ، كَالْحَائِضِ.
[فَصْل الْمَزْنِيُّ بِهَا كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ]
(٦٣٠٢) فَصْلٌ: وَالْمَزْنِيُّ بِهَا، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ ذَكَرهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا يَلْحَقُهُ نَسَبٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَلَنَا أَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ، فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ مِنْهُ، كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ.
وَأَمَّا وُجُوبُهَا كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، فَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِعِدَّةٍ كَامِلَةٍ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّمَا تَجِبُ لِحِفْظِ النَّسَبِ. لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهَا لَوْ اخْتَصَّتْ بِذَلِكَ، لَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُلَاعَنَةِ الْمَنْفِيِّ وَلَدُهَا، وَالْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ، وَلَمَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِالْبَائِعِ، وَلَوْ وَجَبَتْ لِذَلِكَ، لَكَانَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَهِ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا وَجَبَتْ لِذَلِكَ، فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا دَاعِيَةٌ؛ فَإِنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا إذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الِاعْتِدَادِ، اشْتَبَهَ وَلَدُ الزَّوْجِ بِالْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا، فَلَا يَحْصُلُ حِفْظُ النَّسَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute