للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّمَاءَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ بِهِ، كَسَائِرِ مَالِهِ

وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِثَلَاثَةٍ، فَاشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَزْرَعُوهَا بِبَذْرِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَأَعْوَانِهِمْ، عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمْ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَفْضُلُ صَاحِبَيْهِ بِشَيْءٍ.

[فَصْلٌ زَارِع رَجُلًا وَآجُرهُ أَرْضَهُ فَزَرَعَهَا وَسَقَطَ مِنْ الْحَبِّ شَيْءٌ فَنَبَتَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ عَامًا آخَر]

فَصْلٌ: وَإِذَا زَارَعَ رَجُلًا، وَآجَرَهُ أَرْضَهُ فَزَرَعَهَا، وَسَقَطَ مِنْ الْحَبِّ شَيْءٌ، فَنَبَتَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ عَامًا آخَرَ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لِصَاحِبِ الْحَبِّ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا لَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَذَرَهُ قَصْدًا. وَلَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْحَبِّ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَرْكُ ذَلِكَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ، وَلِهَذَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَرَعْيُهُ. وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ الْتِقَاطِ مَا خَلَّفَهُ الْحَصَّادُونَ مِنْ سُنْبُلٍ وَحَبٍّ وَغَيْرِهِمَا، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى نَبْذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْكِ لَهُ، وَصَارَ كَالشَّيْءِ التَّافِهِ يَسْقُطُ مِنْهُ، كَالثَّمَرَةِ وَاللُّقْمَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَالنَّوَى لَوْ الْتَقَطَهُ إنْسَانٌ، فَغَرَسَهُ، كَانَ لَهُ دُونَ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ، كَذَا هَا هُنَا.

[فَصْل إجَارَةِ الْأَرْضِ بِالْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ سِوَى الْمَطْعُومِ]

(٤١٥١) فَصْلٌ: فِي إجَارَةِ الْأَرْضِ، تَجُوزُ إجَارَتُهَا بِالْوَرِقِ، وَالذَّهَبِ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ، سِوَى الْمَطْعُومِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعِلْمِ. قَالَ أَحْمَدُ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ اكْتِرَاءَ الْأَرْضِ وَقْتًا مَعْلُومًا جَائِزٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ سَعْدٍ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ؛ لِمَا رَوَى رَافِعٌ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَلَنَا «أَنَّ رَافِعًا قَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَلَمْ يَنْهَنَا» . يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ «أَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ فَلَا بَأْسَ» . وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ «سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ. قَالَ فَقُلْت: بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>