للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا.

وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً مِثْلَ قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ. وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ. وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ غَالِبُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.

وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو سَهْلٍ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَهْلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَثْنَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا سَأَلَتْهُ: كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ إجْمَاعًا، وَنَحْوَهُ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ، وَمَا حَكَوْهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، يَحْتَمِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ حَيْضًا أَوْ اسْتِحَاضَةً، كَمَا لَوْ زَادَ دَمُهَا عَنْ السِّتِّينَ، أَوْ كَمَا لَوْ زَادَ دَمُ الْحَائِضِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

[فَصْلٌ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا]

(٤٩٣) فَصْلٌ: فَإِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ، وَلَا تَقْضِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا قُلْنَا.

[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ حَدٌّ]

(٤٩٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ، أَيَّ وَقْتٍ رَأَتْ الطُّهْرَ اغْتَسَلَتْ، وَهِيَ طَاهِرٌ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تُتِمَّ الْأَرْبَعِينَ اسْتِحْبَابًا) وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: إذَا لَمْ تَرَ دَمًا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا وَكَثِيرًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ تَرَ دَمًا، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجُفُوفِ.

قَالَ أَبُو دَاوُد: ذَاكَرْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ جَرِيرٍ: كَانَتْ امْرَأَةٌ تُسَمَّى الطَّاهِرَ، تَضَعُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَتَطْهُرُ آخِرَهُ فَجَعَلَ يَعْجَبُ مِنْهُ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحِلُّ لِلنُّفَسَاءِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ إلَّا أَنْ تُصَلِّيَ. وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>