للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضْعُفُ جِدًّا لِنُدْرَتِهَا، فَكَيْفَ يُعَارَضُ بِهِ الْخَاصُّ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ مَبْنِيًّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَبْضُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَيَكُونُ الرَّهْنُ قَدْ لَزِمَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَوَجَبَ تَقْبِيضُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، فَكَذَلِكَ عَلَى وَارِثِهِ.

وَيَخْتَصُّ هَذَا بِمَا عَدَّا الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَلْزَمْ الرَّهْنُ فِيهِ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَقْبِيضُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ تَعَلَّقَتْ دُيُونُهُمْ بِالتَّرِكَةِ قَبْلَ لُزُومِ حَقِّهِ فِي الرَّهْنِ، فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، كَمَا لَوْ أَفْلَسَ الرَّاهِنُ، إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ لِلْوَرَثَةِ التَّصَرُّفَ فِي التَّرِكَةِ، وَوَفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ؟ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْضَى الْغُرَمَاءُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، فَيَتِمُّ الرَّهْنُ. وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِكَوْنِ الْإِذْنِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْحَجْرِ.

[فَصْلٌ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ لِفَلْسِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ]

(٣٢٧٦) فَصْلٌ وَلَوْ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ لِفَلْسِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخْصِيصًا لِلْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ بَعْضِ غُرَمَائِهِ. وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ. وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ لَأَحَدٍ تَقْبِيضُهُ؛ لِأَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، لَمْ يَكُنْ لَأَحَدٍ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ أَيْضًا.

وَانْتُظِرَ إفَاقَتُهُ، وَإِنْ خَرِسَ، وَكَانَتْ لَهُ كِتَابَةٌ مَفْهُومَةٌ، أَوْ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ، إنْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ، لَمْ يَجُزْ الْقَبْضُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَدْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِنْ لَمْ يَأْذَنْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُمْ يَبْطُلُ بِمَا عَرَضَ لَهُمْ. وَجَمِيعُ هَذَا تَنَاوَلَهُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: مِنْ جَائِزِ الْأَمْرِ ". وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ جَائِزَ الْأَمْرِ.

[فَصْلٌ تَصْرِف الرَّاهِن فِي الرَّهْن قَبْل الْقَبْض بِهِبَةِ أَوْ بَيْع أَوْ عِتْق]

(٣٢٧٧) فَصْلٌ إذَا تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، بِهِبَةِ أَوْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا، أَوْ رَهَنَهُ ثَانِيًا، بَطَلَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ، سَوَاءٌ قَبَضَ الْهِبَةَ وَالْمَبِيعَ وَالرَّهْنَ الثَّانِيَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ دَبَّرَ الْعَبْدَ، أَوْ أَجَرَهُ، أَوْ زَوَّجَ الْأَمَةَ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ.

وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الرَّهْنِ، فَلَا يَقْطَعُ اسْتَدَامَتْهُ كَاسْتِخْدَامِهِ. وَإِنْ كَاتَبَ الْعَبْدَ، انْبَنَى عَلَى صِحَّةِ رَهْنِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَجُوزُ رَهْنُهُ. لَمْ يَبْطُلْ رَهْنُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ. بَطَلَ رَهْنُهُ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ.

[فَصْلٌ اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِلُزُومِ الرَّهْنِ]

فَصْلٌ: وَاسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ لِلُزُومِ الرَّهْنِ. فَإِذَا أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ عَنْ يَدِهِ بِاخْتِيَارِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>