للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَنْزِلَ يُعْلَمُ بِهِ، فَيُسْتَتَرُ مِنْهُ، بِخِلَافِ النَّاظِرِ مِنْ ثَقْبٍ، فَإِنَّهُ يَرَى مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهِ، ثُمَّ الْخَبَرُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِذَلِكَ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِهِ، فَيَقُولُ لَهُ أَوَّلًا: انْصَرِفْ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أَشَارَ إلَيْهِ يُوهِمُهُ أَنَّهُ يَحْذِفُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفْ، فَلَهُ حَذْفُهُ حِينَئِذٍ.

وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى (٧٣٩٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ تَرَكَ الِاطِّلَاعَ وَمَضَى، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطْعَنْ الَّذِي اطَّلَعَ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَلِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِنَايَةَ، فَأَشْبَهَ مَنْ عَضَّ ثُمَّ تَرَكَ الْعَضَّ، لَمْ يَجُزْ قَلْعُ أَسْنَانِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُطَّلَعُ مِنْهُ صَغِيرًا، كَثَقْبِ أَوْ شَقٍّ، أَوْ وَاسِعًا، كَثَقْبٍ كَبِيرٍ.

وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَابَ الْمَفْتُوحَ كَذَلِكَ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُ مَنْ نَظَرَ مِنْ بَابٍ مَفْتُوحٍ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ تَارِكِ الْبَابِ مَفْتُوحًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ بَابَهُ مَفْتُوحًا، أَنَّهُ يَسْتَتِرُ، لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْهُ، وَيَعْلَمُ بِالنَّاظِرِ فِيهِ، وَالْوَاقِفِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ، كَدَاخِلِ الدَّارِ. وَإِنْ اطَّلَعَ، فَرَمَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ، فَقَالَ الْمُطَّلِعُ: مَا تَعَمَّدْت الِاطِّلَاعَ. لَمْ يَضْمَنْهُ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ قَدْ وُجِدَ، وَالرَّامِي لَا يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ بِمَا هُوَ أَسْهَلُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا حِينَ اطَّلَعْت، وَإِنْ كَانَ الْمُطَّلِعُ أَعْمَى، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ إنْسَانٌ عُرْيَانًا فِي طَرِيقٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَمْيُ مَنْ نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ. وَإِنْ كَانَ الْمُطَّلِعُ فِي الدَّارِ مِنْ مَحَارِمِ النِّسَاءِ اللَّائِي فِيهَا، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُهُ، إلَّا أَنْ يَكُنَّ مُتَجَرِّدَاتٍ، فَيَصِرْنَ كَالْأَجَانِبِ. وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيَهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا نِسَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي اطَّلَعَ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءٌ.

وَقَوْلُهُ: " لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْك، بِغَيْرِ إذْنٍ، فَحَذَفْته ". عَامٌّ فِي الدَّارِ الَّتِي فِيهَا نِسَاءٌ وَغَيْرِهَا.

(٧٣٩١) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ رَمْيُ النَّاظِرِ بِمَا يَقْتُلُهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُهُ، أَوْ حَدِيدَةٍ ثَقِيلَةٍ، ضَمِنَهُ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَهُ مَا يَقْلَعُ بِهِ الْعَيْنَ الْمُبْصِرَةَ، الَّتِي حَصَلَ الْأَذَى مِنْهَا، دُونَ مَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ الْمُطَّلِعُ بِرَمْيِهِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، جَازَ رَمْيُهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاظِرُ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ وَمَا أَفْسَدَتْ الْبَهَائِمُ]

(٧٣٩٢) : (وَمَا أَفْسَدَتْ الْبَهَائِمُ بِاللَّيْلِ مِنْ الزَّرْعِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى أَهْلِهَا، وَمَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا، لَمْ يَضْمَنُوهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>