للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِبْعَادِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّعْنَةِ أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَأَشَدُّ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْمَنْصُوصِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.

وَإِنْ أَبْدَلَتْ الْمَرْأَةُ لَفْظَةَ الْغَضَبِ بِاللَّعْنَةِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ أَغْلَظُ، وَلِهَذَا خُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ بِزِنَاهَا أَقْبَحُ، وَإِثْمُهَا بِفِعْلِ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ إثْمِهِ بِالْقَذْفِ. وَإِنْ أَبْدَلَتْهَا بِالسَّخَطِ، خُرِّجَ عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَبْدَلَ الرَّجُلُ لَفْظَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ. وَإِنْ أَبْدَلَ الرَّجُلُ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْغَضَبِ احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ. قَالَ الْوَزِيرُ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ الصَّادِقِينَ: فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا. وَاشْتَرَطَ فِي نَفْيِهَا عَنْ نَفْسِهَا: فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَى. وَلَا أَرَاهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاشْتِرَاطَ.

وَأَمَّا مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ لَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَقَبْلَ الْخَامِسَةِ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ، قِيلَ: يَا هِلَالُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْك الْعَذَابَ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَجْلِدْنِي عَلَيْهَا. فَشَهِدَ الْخَامِسَةَ. فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ، قِيلَ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْك الْعَذَابَ. فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي. فَشَهِدَتْ الْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ.

وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ، حَدِيثَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، قَالَ: «فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَأُمْسِكَ عَلَى فِيهِ فَوَعَظَهُ، وَقَالَ: وَيْحَكَ كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ ثُمَّ أُرْسِلَ، فَقَالَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ دَعَاهَا، فَقَرَأَ عَلَيْهَا، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهَا فَأُمْسِكَ عَلَى فِيهَا، وَقَالَ: وَيْحَكِ كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْكِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ شُرُوطٌ سِتَّةٌ]

(٦٢٨٨) فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ شُرُوطٌ سِتَّةٌ: أَحَدهَا، أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. الثَّانِي، أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاللِّعَانِ بَعْدَ إلْقَائِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ بَادَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ. الثَّالِثُ، اسْتِكْمَالُ لَفْظَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا لَفْظَةً، لَمْ يَصِحَّ. الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ بِصُورَتِهِ، إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي إبْدَالِ لَفْظَةٍ بِمِثْلِهَا فِي الْمَعْنَى. الْخَامِسُ، التَّرْتِيبُ، فَإِنْ قَدَّمَ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ قَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ لِعَانَهَا عَلَى لِعَانِ الرَّجُلِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. السَّادِسُ، الْإِشَارَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَتَسْمِيَتُهُ وَنِسْبَتُهُ إنْ كَانَ غَائِبًا. وَلَا يُشْتَرَطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>