وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَفْهُومُهُ صِحَّةُ بَيْعِهَا إذَا بَدَا صَلَاحُهَا، وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهُ. وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَبَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ. وَهُمَا مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَالُ خَالٍ عَنْهَا، فَصَحَّ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنُ آدَمِيٍّ، أَوْ زَكَاةُ فِطْرٍ.
وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ، فَهُوَ تَعَلُّقٌ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ، فَلَمْ يَمْنَعْ بَيْعَ جَمِيعِهِ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ. وَقَوْلُهُمْ: بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِلْفُقَرَاءِ فِي النِّصَابِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ الْفُقَرَاءُ مِنْ إلْزَامِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِرَهْنٍ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الرَّهْنِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي النِّصَابِ ثَمَّ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كُلِّفَ إخْرَاجَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُلِّفَ تَحْصِيلَهَا، فَإِنْ عَجَزَ بَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ النِّصَابِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَتُؤْخَذَ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهَا؛ لِأَنَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ ضَرَرًا فِي إتْمَامِ الْبَيْعِ، وَتَفْوِيتًا لِحُقُوقِهِمْ، فَوَجَبَ فَسْخُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهَذَا أَصَحُّ.
[مَسْأَلَةُ الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ]
(١٨١١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ جَائِزٌ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِيهِ، كَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ فِيهِ، لَامْتَنَعَ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِيهِ، وَلَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّونَ مِنْ إلْزَامِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهِ، أَوْ ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ ثُبُوتِهِ فِيهِ، وَلَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ بِتَلَفِ النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، كَسُقُوطِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِتَلَفِ الْجَانِي. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ. وَقَوْلِهِ: فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ أَوْ نَضْحٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ بِحَرْفِ " فِي " وَهِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ. وَإِنَّمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ رُخْصَةً. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، فَحَالَ عَلَى مَالِهِ حَوْلَانِ، لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لِمَا مَضَى، وَلَا تَنْقُصُ عَنْهُ الزَّكَاةُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ، لَمْ تَنْقُصْ الزَّكَاةُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute