وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي فِي ذِمَّتِك. أَوْ قَالَ: تَسَلَّفْ لِي أَلْفًا فِي كُرِّ طَعَامٍ، وَاقْضِ الثَّمَنَ عَنِّي مِنْ مَالِك، أَوْ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك. صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ حَصَلَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، فَقَدْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَضَاهُ مِنْ مَالِهِ عَنْ دَيْنِ السَّلَفِ الَّذِي عَلَيْهِ، صَارَ قَرْضًا عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ لَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا مَا يَقْتَضِيه إذْنُ مُوَكِّلِهِ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ]
(٣٧٨٨) فَصْلٌ: وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا مَا يَقْتَضِيه إذْنُ مُوَكِّلِهِ، مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْإِذْنِ، فَاخْتَصَّ بِمَا أَذِنَ فِيهِ، وَالْإِذْنُ يُعْرَفُ بِالنُّطْقِ تَارَةً وَبِالْعُرْفِ أُخْرَى. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي التَّصَرُّفِ فِي زَمَنٍ مُقَيَّدٍ، لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ إذْنُهُ مُطْلَقًا وَلَا عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفَ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَقْتًا، لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ.
فَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ ثَوْبِي غَدًا. لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ وَلَا بَعْدَ غَدٍ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْمَكَانَ، وَكَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ، مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبِهِ فِي سُوقٍ، وَكَانَ ذَلِكَ السُّوقُ مَعْرُوفًا بِجَوْدَةِ، النَّقْدِ، أَوْ كَثْرَةِ الثَّمَنِ، أَوْ حِلِّهِ، أَوْ بِصَلَاحِ أَهْلِهِ، أَوْ بِمَوَدَّةٍ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَبَيْنَهُمْ، تَقَيَّدَ الْإِذْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَمْرٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ. وَإِنْ كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً فِي الْغَرَضِ، لَمْ يَتَقَيَّدْ الْإِذْنُ بِهِ، وَجَازَ لَهُ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِ؛ لِمُسَاوَاتِهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْغَرَضِ، فَكَانَ تَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إذْنًا فِي الْآخَرِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَوْ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ، كَانَ إذْنًا فِي زِرَاعَةِ مِثْلِهِ فَمَا دُونَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى عَقَارًا كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مِثْلَهُ، وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدٍ، جَازَ الِاعْتِكَافُ وَالصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ
وَسَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ: بِعْهُ فُلَانًا. لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ لِغَيْرِهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، سَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ دُونَ غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيلُ بِقَرِينَةِ أَوْ صَرِيحٍ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي.
[فَصْلٌ وَكَّلَهُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ]
(٣٧٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ، فَالْوَكِيلُ أَوْلَى. وَلَا يَمْلِكُ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَمْلِكُ الصَّحِيحَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ فِي الْفَاسِدِ، فَالصَّحِيحُ أَوْلَى. وَلَنَا، أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي مُحَرَّمٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْحَلَالَ بِهَذَا الْإِذْنِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي شِرَاءِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، لَمْ يَمْلِكْ شِرَاءَ الْخَيْلِ وَالْغَنَمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute