للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَصِحُّ أَنْ تَعْقِدَهُ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ، يَصِحُّ أَنْ تَعْقِدَهُ مَعَهُ، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ مَنَافِعَهَا فِي الرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلزَّوْجِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَهَا عَلَى حَضَانَةِ وَلَدِهَا، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ عَلَيْهَا الْعِوَضَ مِنْ غَيْرِهِ، فَجَازَ لَهَا أَخْذُهُ مِنْهُ، كَثَمَنِ مَالِهَا

وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا اسْتَحَقَّتْ عِوَضَ الْحَبْسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ. قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ الْحَضَانَةِ، وَاسْتِحْقَاقُ مَنْفَعَةٍ مِنْ وَجْهٍ، لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ مَنْفَعَةٍ سِوَاهَا بِعِوَضٍ آخَرَ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. وَتَأْوِيلُ الْقَاضِي كَلَامَ الْخِرَقِيِّ، يُخَالِفُ الظَّاهِرَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الزَّوْجِ لِلْمَعْهُودِ، وَهُوَ زَوْجُهَا أَبُو الطِّفْلِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي حِبَالِ زَوْجٍ آخَرَ، لَا تَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، بَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ، ثُمَّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَفَسَدَ التَّأْوِيلُ.

[فَصْل فَسْخُ الْإِجَارَة بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ]

(٤٢٤٥) فَصْلٌ: وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُرْضِعَةِ؛ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ بِهَلَاكِ مَحَلِّهَا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ، وَيَجِبُ فِي مَالِهَا أَجْرُ مَنْ تُرْضِعُهُ تَمَامَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّيْنِ. وَلَنَا أَنَّهُ هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ هَلَكَتْ الْبَهِيمَةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ. وَإِنْ مَاتَ الطِّفْلُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، لِاخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ فِي الرَّضَاعِ، وَاخْتِلَافِ اللَّبَنِ بِاخْتِلَافِهِمْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَدِرُّ عَلَى أَحَدِ الْوَلَدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ

وَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ عَقِيبَهُ، بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ أَصْلِهَا، وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ.

[مَسْأَلَة اسْتِحْبَاب إعْطَاء الظِّئْر عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً كِرَاءٍ الْمُرْضِع]

(٤٢٤٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، إذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا) يَعْنِي بِالْخَبَرِ، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُذْهِبُ عَنِّي مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ؟ قَالَ: الْغُرَّةُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمَذَمَّةُ، بِكَسْرِ الذَّالِ، مِنْ الذِّمَامِ، وَبِفَتْحِهَا مِنْ الذَّمِّ

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا خَصَّ الرَّقَبَةَ بِالْمُجَازَاةِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي إرْضَاعِهِ وَحَضَانَتِهِ، سَبَبُ حَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَحِفْظِ رَقَبَتِهِ، فَاسْتُحِبَّ جَعْلُ الْجَزَاءِ هِبَتَهَا رَقَبَةً، لِيُنَاسِبَ مَا بَيْنَ النِّعْمَةِ وَالشُّكْرِ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُرْضِعَةَ أُمًّا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيُعْتِقَهُ» . وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ مَمْلُوكَةً، اُسْتُحِبَّ إعْتَاقُهَا؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>