للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِي: لِلسُّنَّةِ إيقَاعَ وَاحِدَةٍ فِي الْحَالِ، وَاثْنَتَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ آخَرَيْنِ. قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَقَعَ فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةٌ. قُبِلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَهُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَدِينُ. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛: أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ. وَالثَّانِي، يُقْبَلُ؛ لِمَا قَدَّمْنَا.

فَإِنْ كَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ، فَقَالَ: سَبَقَ لِسَانِي إلَى قَوْلِ: لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ أُرِدْهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْت الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ. وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِإِيقَاعِهَا، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِمَا يُوقِعُهَا، قُبِلَ مِنْهُ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ]

(٥٨٢٧) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ. طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ وَتَأَخَّرْت الثَّالِثَةُ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْحَالَيْنِ، فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فَيَقَعُ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ ثُمَّ يَكْمُلُ النِّصْفُ؛ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَتَبَعَّضُ، فَيَقَعُ طَلْقَتَانِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقَعَ طَلْقَةٌ، وَتَتَأَخَّرَ اثْنَتَانِ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ الْكُلِّ، وَيَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ مِنْ ذَلِكَ وَالْكَثِيرَ، فَيَقَعُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَمَا زَادَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، فَيَتَأَخَّرُ إلَى الْحَالِ الْأُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَقَعُ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ بَعْضُهَا، ثُمَّ تَكْمُلُ، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ؟ قُلْنَا: مَتَى أَمْكَنَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ غَيْرِ تَكْسِيرٍ، وَجَبَ الْقِسْمَةُ عَلَى الصِّحَّةِ.

وَإِنْ قَالَ: نِصْفُهُنَّ لِلسُّنَّةِ، وَنِصْفُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ. وَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَتَانِ، وَتَأَخَّرَتْ الثَّالِثَةُ. وَإِنْ قَالَ: طَلْقَتَانِ لِلسُّنَّةِ، وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ، أَوْ طَلْقَتَانِ لِلْبِدْعَةِ، وَوَاحِدَةٌ لِلسُّنَّةِ. فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ. وَإِنْ أَطْلَقَ، ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت ذَلِكَ. فَإِنْ فَسَّرَ نِيَّتَهُ بِمَا يُوقِعُ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ. وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا يُوقِعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَيُؤَخِّرُ اثْنَتَيْنِ، دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَظْهَرُهُمَا، أَنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَمَا فَسَّرَ كَلَامَهُ بِهِ لَا يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ. وَالثَّانِي، لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِأَخَفِّ مِمَّا يَلْزَمُهُ حَالَةَ الْإِطْلَاق. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى نَحْوِ هَذَا.

فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ. وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا آخَرَ، احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا لِلْبِدْعَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَالْبَعْضُ لَا يَقْتَضِي النِّصْفَ، فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ، وَالزَّائِدُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ وَبَاقِيهَا لِلْبِدْعَةِ، أَوْ سَائِرُهَا لِلْبِدْعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>