الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِهَا، وَهِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، قَصَّرَ أَوْ حَلَقَ، وَقَدْ حَلَّ بِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ، سُئِلَ عَمَّنْ دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: هَذَا لَمْ يَحِلَّ بَعْدُ، يُقَصِّرُ، ثُمَّ يُهِلُّ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
[فَصْل مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ لَكِنْ يُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ]
(٢٤٨٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، لَكِنْ يُقِيمُ عَلَى إحْرَامِهِ، وَيُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ التَّقْصِيرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ خَاصَّةً، وَلَا يَمَسُّ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ شَيْئًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: «قَصَّرْت مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ عِنْدَ الْمَرْوَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: لَهُ التَّحَلُّلُ، وَنَحْرُ هَدْيِهِ، وَيُسْتَحَبُّ نَحْرُهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُهُ لِإِطْلَاقِهِ. وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْت بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ أَكُنْ سُقْت الْهَدْيَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» . وَعَنْ «حَفْصَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك؟ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْت هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَة. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، فِي مَنْ قَدِمَ مُتَمَتِّعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَسَاقَ الْهَدْيَ، قَالَ: إنْ دَخَلَهَا فِي الْعَشْرِ، لَمْ يَنْحَر الْهَدْيَ حَتَّى يَنْحَرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ، نَحَرَ الْهَدْيَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ حَلَّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَإِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ. رَوَاهُ حَنْبَلٌ، فِي (الْمَنَاسِكِ) . وَقَالَ فِي مَنْ لَبَّدَ أَوْ ضَفَّرَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِحَدِيثِ حَفْصَةَ. وَالرِّوَايَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute