أَنْ أَعْطَاهُ بَدَلَ الْحِنْطَةِ شَعِيرًا، جَازَ. وَلَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ أَعْطَاهُ مُعَيَّنًا، لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ، جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الشَّعِيرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِك. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالسَّلَمِ.
[فَصْلٌ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ هَلْ تُبْطِلُهُ]
(٢٩٦٥) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِغَرِيمِهِ: بِعْنِي هَذَا عَلَى أَنْ أَقْضِيَك دَيْنَك مِنْهُ. فَفَعَلَ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ، وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ يَنْبَنِي عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ، هَلْ تُبْطِلُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: اقْضِنِي حَقِّي عَلَى أَنْ أَبِيعَك كَذَا وَكَذَا. فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْقَضَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَّضَهُ حَقَّهُ. وَإِنْ قَالَ: اقْضِنِي أَجْوَدَ مِنْ مَالِي، عَلَى أَنْ أَبِيعَك كَذَا وَكَذَا. فَالْقَضَاءُ وَالشَّرْطُ بَاطِلَانِ، وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِمَالِهِ.
[مَسْأَلَةٌ الْإِقَالَة بَيْع]
(٢٩٦٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، الْإِقَالَةُ بَيْعٌ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْإِقَالَةِ. فَعَنْهُ أَنَّهَا فَسْخٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهَا بَيْعٌ. وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إلَى الْبَائِعِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ بَيْعًا كَذَلِكَ الثَّانِي، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضِ، عَلَى وَجْهِ التَّرَاضِي، فَكَانَ بَيْعًا، كَالْأَوَّلِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. فَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا، بَلْ تَجُوزُ فِي السَّلَمِ، وَفِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، حَتَّى يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ الَّذِي تَقَايَلَا فِيهِ بِالشُّفْعَةِ. وَلَنَا، أَنَّ الْإِقَالَةَ هِيَ الدَّفْعُ وَالْإِزَالَةُ. يُقَالُ: أَقَالَك اللَّهُ عَثْرَتَك. أَيْ أَزَالَهَا. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِي إجْمَاعِهِمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» ، مَعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيلَ الْمُسْلِمَ جَمِيعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَلِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ تَكُنْ بَيْعًا كَالْإِسْقَاطِ، وَلِأَنَّهَا تَتَقَدَّرُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَتَقَدَّرُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ بِلَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَا كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، كَالرَّدِّ بِالْبَيْعِ وَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ لَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْحَقَائِقِ. (٢٩٦٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ جَازَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَيْلٍ ثَانٍ، وَيَقُومُ الْفَسْخُ مَقَامَ الْبَيْعِ فِي إيجَابِ كَيْلٍ ثَانٍ، كَقِيَامِ فَسْخِ النِّكَاحِ مَقَامَ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ. وَلَنَا أَنَّهُ فَسْخٌ لِلْبَيْعِ، فَجَازَ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالتَّدْلِيسِ، وَالْفَسْخِ بِالْخِيَارِ، أَوْ اخْتِلَافِ