تَخْتَلِفُ وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ، وَهَلْ تَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ قِرَاءَةٍ مُرَتَّبَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ وَالْقِرَاءَاتُ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا صَعْبٌ كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ، وَسَهْلٌ فَأَشْبَهَ تَعْيِينَ الْآيَاتِ. وَالثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ يَسِيرٌ وَكُلُّ حَرْفٍ يَنُوبُ مَنَابَ صَاحِبهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَيِّنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ قِرَاءَةً وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ الْيَوْمَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ وَلِلشَّافِعِي فِي هَذَا وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ.
[فَصْلٌ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ لَا يُحْسِنُهَا]
(٥٥٥٨) فَصْلٌ: فَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ لَا يُحْسِنُهَا
نَظَرْت، فَإِنْ قَالَ: أُحَصِّلُ لَك تَعْلِيمَ هَذِهِ السُّورَةِ صَحَّ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهَا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا كَالْخِيَاطَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يُحَصِّلُهَا لَهُ، وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أُعَلِّمَك فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْخِيَاطَةَ لَيَخِيطَ لَهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ.
[فَصْلٌ جَاءَتْهُ بِغَيْرِهَا فَقَالَتْ عَلِّمْهُ السُّورَةَ الَّتِي جَعَلَتْ تَعْلِيمِيّ إيَّاهَا صَدَاقِي]
(٥٥٥٩) فَصْلٌ: فَإِنْ جَاءَتْهُ بِغَيْرِهَا، فَقَالَتْ: عَلِّمْهُ السُّورَةَ الَّتِي تُرِيدُ تَعْلِيمِي إيَّاهَا
لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي عَيْنٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَتْهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَأَتَتْهُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَتْ: خِطْ هَذَا، وَلِأَنَّ الْمُتَعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعَلُّمِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَلِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَعْلِيمِهَا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَعْلِيمِ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَتَاهَا بِغَيْرِهِ يُعَلِّمُهَا، لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمِينَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّعْلِيمِ، وَلِأَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي التَّعَلُّمِ مِنْهُ، لِكَوْنِهِ زَوْجَهَا تَحِلُّ لَهُ وَيَحِلُّ لَهَا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْلِيمُ غَيْرِهَا، لَمْ يَلْزَمْهَا التَّعَلُّمُ مِنْ غَيْرِهِ، قِيَاسًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
[فَصْلٌ تَعَلَّمَتْ السُّورَة الَّتِي أُصَدِّقهَا إيَّاهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا]
(٥٥٦٠) فَصْلٌ: فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهَا
فَعَلَيْهِ أَجْرُ تَعْلِيمِهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ: عَلَّمْتُكَهَا فَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَعْلِيمِهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا بَعْد أَنْ تَعَلَّمَتْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا، وَإِنْ عَلَّمَهَا السُّورَةَ ثُمَّ أُنْسِيَتْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى لَهَا بِمَا شَرَطَ، وَإِنَّمَا تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ لَقَّنَهَا الْجَمِيعَ وَكُلَّمَا لَقَّنَهَا آيَةً أُنْسِيَتْهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ تَعْلِيمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَعْلِيمًا وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَأَفْضَى إلَى أَنَّهُ مَتَى قَرَأَهَا فَقَرَأَتْهَا بِلِسَانِهَا مِنْ غَيْرِ حِفْظٍ كَانَ تَلْقِينًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَلْقِينًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَقَّنَهَا الْآيَةَ وَحَفِظَتْهَا، فَأَمَّا مَا دُونَ الْآيَةِ فَلَيْسَ بِتَلْقِينٍ وَجْهًا وَاحِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute