وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَنَظِيرُهُ مِنْ الْإِقْرَارِ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ هَاهُنَا. وَيُحَقِّقُ مَا ذَكَرْنَاهُ، أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ الشُّهُودِ لِسَمَاعِ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِطَلَبِ الشُّهُودِ فِي أَمَاكِنِهِمْ لَا فِي جَمْعِهِمْ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، فَيَمْضِي إلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَأَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُشْهِدُهُمْ عَلَى إقْرَارِهِ. وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
وَقَالَ الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ الْآخَرُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّهُ قَذَفَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ. لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ، فَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ دَنَانِيرَ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ دَرَاهِمَ، لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ فِي الْقَتْلِ، وَالْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْعَجَمِيَّةِ، وَالْقَتْلَ بِالْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضِي، فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
[فَصْل شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَ الْيَوْمَ]
(٨٤٤٩) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَاعَ الْيَوْمَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْيَوْمَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ. لَا تَكْمُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَ بِالْغَصْبِ فِي وَقْتَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيَكُونَ وَاحِدًا، فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْوَقْتِ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِيهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ.
[فَصْل الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ عَلَى قَوْلٍ]
فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ عَلَى قَوْلٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ إلَّا النِّكَاحَ فَإِنَّهُ كَالْفِعْلِ الْوَاحِدِ. فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ، لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ أَمْسِ غَيْرُ النِّكَاحِ الْيَوْمَ، فَلَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَثْبُتْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلٍ، وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ، فَإِنَّهُ لَا تَكْمُلُ الشَّهَادَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى قَذْفٍ وَاحِدٍ.
[فَصْل شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصْبِ هَذَا الْعَبْد وَشَهْد الْآخَر أَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ مِنْهُ]
(٨٤٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِهِ مِنْهُ، كَمَلَتْ الشَّهَادَةُ، وَحُكِمَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَصْبُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هُوَ الَّذِي شَهِدَ الشَّاهِدُ بِهِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفِعْلُ، وَكَمُلَتْ الشَّهَادَةُ، كَمَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute