للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ تُحْصَرَ الْبَلَدُ، فَيَمْتَنِعَ الْخُرُوجُ إلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزَّرْعِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ، كَغَصْبِ الْعَيْنِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا، أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ، فَانْقَطَعَتْ الطَّرِيقُ إلَيْهِ لِخَوْفِ حَادِثٍ، أَوْ اكْتَرَى إلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَحُجَّ النَّاسُ ذَلِكَ الْعَامَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ. وَإِنْ أَحَبَّ إبْقَاءَهَا إلَى حِينِ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، لَا يَعْدُوهُمَا

فَأَمَّا إنْ كَانَ الْخَوْفُ خَاصًّا بِالْمُسْتَأْجِرِ، مِثْلُ أَنْ يَخَافَ وَحْدَهُ لِقُرْبِ أَعْدَائِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُسْتَأْجَرِ، أَوْ حُلُولِهِمْ فِي طَرِيقِهِ، لَمْ يَمْلِكْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يَخْتَصُّ بِهِ، لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ مَرَضَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ حُبِسَ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ تَلِفَ مَتَاعُهُ، لَمْ يَمْلِكْ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَ أَجْرِهَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ تَرَكَهَا اخْتِيَارًا.

[فَصْلٌ اكْتَرَى عَيْنًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ]

(٤١٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا اكْتَرَى عَيْنًا، فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَلَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إذَا اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا، فَوَجَدَهَا جَمُوحًا، أَوْ عَضُوضًا، أَوْ نُفُورًا، أَوْ بِهَا عَيْبٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ رُكُوبَهَا، فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، إنْ شَاءَ رَدَّهَا وَفَسَخَ الْإِجَارَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ، كَالْعَيْبِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ. وَالْعَيْبُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ مَا تَنْقُصُ بِهِ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ كَتَعَثُّرِ الظَّهْرِ فِي الْمَشْيِ، وَالْعَرَجِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ بِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ، وَرَبْضِ الْبَهِيمَةِ بِالْحِمْلِ، وَكَوْنِهَا جَمُوحَةً أَوْ عَضُوضَةً، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ

وَفِي الْمُكْتَرَى لِلْخِدْمَةِ؛ ضَعْفُ الْبَصَرِ، وَالْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَفِي الدَّارِ انْهِدَامُ الْحَائِطِ، وَالْخَوْفُ مِنْ سُقُوطِهَا، وَانْقِطَاعُ الْمَاءِ مِنْ بِئْرِهَا، أَوْ تَغَيُّرُهُ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ الشُّرْبُ وَالْوُضُوءُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ النَّقَائِصِ، وَمَتَى حَدَثَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ بَعْدَ الْعَقْدِ، ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ، فَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، وَمَتَى فَسَخَ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ. وَإِنْ رَضِيَ الْمُقَامَ وَلَمْ يَفْسَخْ، لَزِمَهُ جَمِيعُ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْجُودِ، هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لَا رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بِعَيْبٍ

مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ خَشِنَةَ الْمَشْيِ، أَوْ أَنَّهَا تُتْعِبُ رَاكِبَهَا لِكَوْنِهَا لَا تُرْكَبُ كَثِيرًا، فَلَيْسَ لَهُ فَسْخٌ. وَإِنْ قَالُوا: هُوَ عَيْبٌ. فَلَهُ الْفَسْخُ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْمُكْرِي إبْدَالُهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>