للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَهُوَ لِأَهْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يَرُدُّهُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَا جُعَلَ لَهُ. وَيَقْتَضِيه قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ لِمَنْ أَنْقَذَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا

وَوَجْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذَا مَالٌ أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِيمَا يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ فِيهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، فَمَلَكَهُ مَنْ أَخَذَهُ، كَاَلَّذِي أَلْقَوْهُ رَغْبَةً عَنْهُ، وَلِأَنَّ فِيمَا ذَكَرُوهُ تَحْقِيقًا لِإِتْلَافِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمُبَاشَرَتِهِ بِالْإِتْلَافِ. فَأَمَّا إنْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ، فَأَخْرَجَهُ قَوْمٌ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ أَصْحَابُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُمْ، وَلَا شَيْءَ لِلَّذِي أَصَابُوهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَالْقَاضِي. وَعَلَى قِيَاسِ نَصِّ أَحْمَدَ يَكُونُ لِمُسْتَخْرِجِهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى تَخْلِيصِهِ، وَحِفْظِهِ لِصَاحِبِهِ، وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْغَرَقِ.

فَإِنَّ الْغَوَّاصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْأَجْرُ، بَادَرَ إلَى التَّخْلِيصِ لِيُخَلِّصَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، لَمْ يُخَاطِرْ بِنَفْسِهِ فِي اسْتِخْرَاجِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالْأَجْرِ، كَجُعْلِ رَدِّ الْآبِقِ.

[فَصْلٌ الْتَقَطَ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً]

(٤٥٥٥) فَصْلٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا الْتَقَطَ عَبْدًا صَغِيرًا، أَوْ جَارِيَةً، أَنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُمْلَكُ الْعَبْدُ دُونَ الْجَارِيَةِ، لِأَنَّ التَّمَلُّكَ بِالتَّعْرِيفِ عِنْدَهُ اقْتِرَاضٌ، وَالْجَارِيَةُ عِنْدَهُ لَا تُمْلَكُ بِالْقَرْضِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ لَا قَوْلَ لَهُ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، لَاعْتُبِرَ فِي تَعْرِيفِهِ سَيِّدَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>