[مَسْأَلَةٌ الْمُرْتَدّ لَا يَرِث أَحَدًا]
(٤٩٤٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، إلَّا أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. وَهَذَا قَوْلُ، مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مُسْلِمًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ كَافِرٌ مُسْلِمًا» . وَلَا يَرِثُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي حُكْمِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ، وَلَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ، وَإِنْ انْتَقَلُوا إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ تَزُولُ أَمْلَاكُهُ الثَّابِتَةُ لَهُ وَاسْتِقْرَارُهَا، فَلَأَنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ أَوْلَى. وَلَوْ ارْتَدَّ مُتَوَارِثَانِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ. وَلَا يُورَثُ. وَإِنْ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ، قُسِمَ لَهُ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ مَال الزِّنْدِيق فِي بَيْت الْمَال]
(٤٩٥٠) فَصْلٌ: وَالزِّنْدِيقُ كَالْمُرْتَدِّ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَالزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَسِرُّ بِالْكُفْرِ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ، كَانَ يُسَمَّى فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَافِقًا، وَيُسَمَّى الْيَوْمَ زِنْدِيقًا. قَالَ أَحْمَدُ: مَالُ الزِّنْدِيقِ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
[فَصْلٌ حُكْمُ الْمِيرَاثِ ارْتَدَّ أُحُد الزَّوْجَيْنِ قَبْل الدُّخُول]
(٤٩٥١) فَصْلٌ: إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةَ. وَالْأُخْرَى يَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَيَّهُمَا مَاتَ لَمْ يَرِثْهُ الْآخِرُ. وَحُكْمُ رِدَّتِهِمَا جَمِيعًا كَحُكْمِ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا، فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَامْتِنَاعِ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ دِينَهُمَا لَمْ يَخْتَلِفْ، فَأَشْبَهَا الْكَافِرِينَ الْأَصْلِيِّينَ، إلَّا أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ مَا دَامَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ تَوَارَثَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا صَارَ كَحُكْمِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ.
[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِ مَوْرُوثِهِ الْمُسْلِمِ]
(٤٩٥٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، قُسِمَ لَهُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِ مَوْرُوثِهِ الْمُسْلِمِ؛ فَنَقَلَ الْأَثْرَمُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَنَّهُ يَرِثُ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَكْحُولٌ، وَقَتَادَةُ، وَحُمَيْدٌ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَإِسْحَاقُ، فَعَلَى هَذَا إنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ بَعْضِ الْمَالِ وَرِثَ مِمَّا بَقِيَ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، فِي مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَوْتِ: لَا يَرِثُ، قَدْ وَجَبَتْ الْمَوَارِيثُ لِأَهْلِهَا. وَهَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَعَامَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute