حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِيهِ، وَثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبُولِ، بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ قَدْ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهِ بِالتَّفَرُّقِ، فَلَا يَكُونُ قَبُولًا. وَكَذَلِكَ إنْ تَشَاغَلَا عَنْهُ بِمَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْعَقْدِ أَيْضًا بِالِاشْتِغَالِ عَنْ قَبُولِهِ.
وَقَدْ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ مَشَى إلَيْهِ قَوْمٌ فَقَالُوا لَهُ: زَوِّجْ فُلَانًا. قَالَ: قَدْ زَوَّجْته عَلَى أَلْفٍ. فَرَجَعُوا إلَى الزَّوْجِ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: قَدْ قَبِلْت. هَلْ يَكُونُ هَذَا نِكَاحًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ مَنْ قَبِلَ الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَسْأَلَةُ أَبِي طَالِبٍ تَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ أَوْجَبَ النِّكَاحَ ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ]
(٥٢٩٧) فَصْلٌ: فَإِنْ أَوْجَبَ النِّكَاحَ، ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، بَطَلَ حُكْمُ الْإِيجَابِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِالْقَبُولِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُضَامَّهُ الْقَبُولُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا، فَبَطَلَ بِزَوَالِ الْعَقْلِ، كَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِنَوْمٍ، لَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
[فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ خِيَارٌ]
(٥٢٩٨) فَصْلٌ: وَلَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ خِيَارٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ. وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْغَالِبِ إلَّا بَعْدَ تَرَوٍّ، وَفِكْرٍ، وَمَسْأَلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِحَالِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي الْأَسْوَاقِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِرُؤْيَةٍ وَلَا صِفَةٍ، وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْعِوَضِ، وَمَعَ فَسَادِهِ؛ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيهِ يُفْضِي إلَى فَسْخِهِ بَعْدَ ابْتِذَالِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ فِي فَسْخِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفَ الصَّدَاقِ.
[فَصْلٌ خُطْبَةُ النِّكَاحِ]
(٥٢٩٩) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ الْعَاقِدُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ التَّوَاجُبِ، ثُمَّ يَكُونَ الْعَقْدُ بَعْدَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، فَهُوَ أَقْطَعُ» . وَقَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ.» رَوَاهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتَشَهَّدَ، وَيُصَلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ بِخُطْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّتِي قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ، قَالَ: التَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ: إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute