للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: تَصَدَّقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ، وَعُمَرُ بِرَبْعِهِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ عَلَى وَلَدِهِ وَعُثْمَانُ بِرُومَةَ، وَتَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِأَرْضِهِ بِيَنْبُعَ، وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدَارِهِ بِمَكَّةَ وَدَارِهِ بِمِصْرَ وَأَمْوَالِهِ بِالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ، وَتَصَدَّقَ سَعْدٌ بِدَارِهِ بِالْمَدِينَةِ وَدَارِهِ بِمِصْرَ عَلَى وَلَدِهِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْوَهْطِ وَدَارِهِ بِمَكَّةَ عَلَى وَلَدِهِ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ بِدَارِهِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى وَلَدِهِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ إلَى الْيَوْمِ.

وَقَالَ جَابِرٌ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذُو مَقْدِرَةٍ إلَّا وَقَفَ. وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الَّذِي قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْوَقْفِ وَقَفَ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ، فَإِذَا نَجَزَهُ حَالَ الْحَيَاةِ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، كَالْعِتْقِ.

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إنْ ثَبَتَ، فَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَهُ صَدَقَةً غَيْرَ مَوْقُوفٍ، اسْتَنَابَ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى وَالِدَيْهِ أَحَقَّ النَّاسِ بِصَرْفِهَا إلَيْهِمَا، وَلِهَذَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ، إنَّمَا دَفَعَهَا إلَيْهِمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَائِطَ كَانَ لَهُمَا، وَكَانَ هُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُمَا، فَتَصَرَّفَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، فَلَمْ يُنَفِّذَاهُ، وَأَتَيَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ إلَيْهِمَا. وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّدَقَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنَّمَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ، وَالْوَقْفُ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ، فَافْتَرَقَا.

[مَسْأَلَة مَنْ وَقَفَ فِي صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَدَنِهِ عَلَى قَوْمٍ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ثُمَّ آخِرُهُ لِلْمَسَاكِينِ]

[الْفَصْل الْأَوَّل الْوَقْفَ إذَا صَحَّ زَالَ بِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ]

(٤٣٦٧) مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: (وَمَنْ وَقَفَ فِي صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَدَنِهِ، عَلَى قَوْمٍ وَأَوْلَادِهِمْ وَعَقِبِهِمْ ثُمَّ آخِرُهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ) .

(٤٣٦٨) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَقْفَ إذَا صَحَّ، زَالَ بِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَحُكِيَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْبِسْ الْأَصْلَ، وَسَبِّلْ الثَّمَرَةَ» . وَلَنَا أَنَّهُ سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَأَزَالَ الْمِلْكَ، كَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَرَجَعَتْ إلَيْهِ قِيمَتُهُ، كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>