للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ مِنْ بَعْدِهَا، فَأَشْبَهَ سُجُودَ السَّهْوِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُكَبِّرَ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، فَاسْتُحِبَّ وَإِنْ خَرَجَ وَبَعُدَ، كَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ بَعْدَهَا. وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ عَادَ إلَى مَكَانِهِ، فَجَلَسَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَبِّرُ مَاشِيًا. وَهَذَا أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الذِّكْرِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ يُكَبِّرْ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا، لِأَنَّ الْحَدَثَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ. وَبَالَغَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: إنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَكَلَّمَ، لَمْ يُكَبِّرْ.

وَالْأَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذِكْرٌ مُنْفَرِدٌ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَسَائِرِ الذِّكْرِ، وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الطَّهَارَةِ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ. وَإِذَا نَسِيَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ كَبَّرَ الْمَأْمُومُ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ يَتْبَعُ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ سَائِرَ الذِّكْرِ.

(١٤٣٨) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَأَشْبَهَتْ الْفَجْرَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُسَنُّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَشْبَهَتْ النَّوَافِلَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَخَصُّ بِالْعِيدِ، فَكَانَتْ أَحَقَّ بِتَكْبِيرِهِ.

[فَصْلٌ التَّكْبِير فِي غَيْر أَدْبَار الصَّلَوَات]

(١٤٣٩) فَصْلٌ: وَيُشْرَعُ التَّكْبِيرُ فِي غَيْرِ أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ، تِلْكَ الْأَيَّامِ جَمِيعًا، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمَا يَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.

وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ كُلِّهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] . كَمَا قَالَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] . وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَيُسْتَحَبُّ الِاجْتِهَادُ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ، مِنْ الذِّكْرِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ.

لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

[فَصْلٌ قَوْل النَّاس فِي الْعِيدَيْنِ تَقْبَل اللَّه مِنَّا وَمِنْكُمْ]

(١٤٤٠) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُل لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك. وَقَالَ حَرْبٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعِيدَيْنِ تَقَبَّلَ اللَّهُ وَمِنْكُمْ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، يَرْوِيه أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>