للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُكْرَهِ، وَثُبُوتُ الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّ مَنْ نِيلَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَذَابِ لَا يَنْفِي ثُبُوتَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الَّذِي تَدَلَّى يَشْتَارُ عَسَلًا، فَوَقَفْت امْرَأَتُهُ عَلَى الْحَبْلِ، وَقَالَتْ: طَلَّقَنِي ثَلَاثًا، وَإِلَّا قَطَعْته، فَذَكَّرَهَا اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، فَقَالَتْ: لَتَفْعَلْنَ أَوْ لَأَفْعَلْنَ. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرَدَّهُ إلَيْهَا. رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ. وَهَذَا كَانَ وَعِيدًا.

[فَصْلٌ مِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ فِي الطَّلَاق ثَلَاثَةُ أُمُورٍ]

(٥٨٤٩) فَصْلٌ: وَمِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ قَادِرٍ بِسُلْطَانِ أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: إنَّ أَكْرَهَهُ اللِّصُّ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَقَعَ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لِأَنَّ اللِّصَّ يَقْتُلُهُ. وَعُمُومُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِ الْإِكْرَاهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، وَاَلَّذِينَ أَكْرَهُوا عَمَّارًا لَمْ يَكُونُوا لُصُوصًا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَمَّارٍ: «إنْ عَادُوا فَعُدْ» . وَلِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، فَمَنَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، كَإِكْرَاهِ اللُّصُوصِ. الثَّانِي، أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ. الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْقَيْدِ، وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ، فَأَمَّا الشَّتْمُ، وَالسَّبُّ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ.

فَأَمَّا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا بِصَاحِبِهِ، وَغَضًّا لَهُ، وَشُهْرَةً فِي حَقِّهِ، فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَإِنْ تَوَعَّدَ بِتَعْذِيبِ وَلَدِهِ، فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا حَقَّ بِغَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ، وَالْوَعِيدُ بِذَلِكَ إكْرَاهٌ، فَكَذَلِكَ هَذَا.

[فَصْلٌ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ فَطَلَّقَ غَيْرَهَا]

فَصْلٌ: وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ، فَطَلَّقَ غَيْرَهَا، وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلْقَةٍ، فَطَلَّقَ ثَلَاثًا، وَقَعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا وَغَيْرَهَا، وَقَعَ طَلَاقُ غَيْرِهَا دُونَهَا. وَإِنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ، وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ وَاخْتَارَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَقَعَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، فَلَا يَبْقَى إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ. وَإِنْ طَلَّقَ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ، أَوْ تَأَوَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>