الْأَصْلَ ثُبُوتُ مَالِهِ، فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعْلَمَ ذَهَابُهُ. وَالْخِرَقِيُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، لَكِنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْقِ.
[فَصْلٌ امْتِنَاع الْمُوسِر مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ]
(٣٤٦٥) فَصْلٌ: إذَا امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلِغَرِيمِهِ مُلَازَمَتُهُ، وَمُطَالَبَتُهُ، وَالْإِغْلَاظُ لَهُ بِالْقَوْلِ، فَيَقُولُ: يَا ظَالِمُ، يَا مُعْتَدٍ. وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيُّ الْوَاجِدِ، يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ» . فَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَعِرْضُهُ أَيْ يُحِلُّ الْقَوْلَ فِي عِرْضِهِ بِالْإِغْلَاظِ لَهُ. وَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» . وَقَالَ: «إنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا.»
[مَسْأَلَة مَاتَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُفْلِسًا]
(٣٤٦٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُفْلِسًا، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ) هَذَا الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِاسْتِحْقَاقِ اسْتِرْجَاعِ عَيْنِ الْمَالِ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ، فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِفَلَسِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَحَجَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ، أَوْ مَاتَ فَتَبَيَّنَ فَلَسُهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْجَاعُ الْعَيْنِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ خَلْدَةَ الزُّرَقِيُّ، قَاضِي الْمَدِينَةِ قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا الَّذِي قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ، أَوْ أَفْلَسَ، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أَوْ إنْسَانٍ، قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ، فَجَازَ فَسْخُهُ لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْفَلَسَ سَبَبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ، فَجَازَ الْفَسْخُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْعَيْبِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْمُفْلِسِ: «فَإِنْ مَاتَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرِئٍ مَاتَ، وَعِنْدَهُ مَالُ امْرِئٍ بِعَيْنِهِ، اقْتَضَى مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، أَوْ لَمْ يَقْتَضِ، فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.» رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ. .
وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَأَشْبَهَ الْمَرْهُونَ. وَحَدِيثُهُمْ مَجْهُولُ الْإِسْنَادِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يَرْوِيه أَبُو الْمُعْتَمِرِ، عَنْ الزُّرَقِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute