وَالْكُهُولُ: الَّذِينَ جَازُوا الثَّلَاثِينَ، قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} [آل عمران: ٤٦] . (١) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ابْنُ ثَلَاثِينَ. مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: اكْتَهَلَ النَّبَاتُ، إذَا تَمَّ وَقَوِيَ. ثُمَّ لَا يَزَالُ كَهْلًا حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ يَشِيخُ، ثُمَّ لَا يُزَالُ شَيْخًا حَتَّى يَمُوتَ.
[فَصْلٌ أَوْصَى لَجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ]
(٤٦٦٢) فَصْلٌ وَإِذَا أَوْصَى لَجَمَاعَةٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ، كَالْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، صَحَّ، وَأَجْزَأَ الدَّفْعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُدْفَعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْقَبِيلَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا؛ لِأَنَّهَا يَدْخُلُ فِيهَا الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ، وَإِذَا وَقَعَتْ لِلْأَغْنِيَاءِ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ إذَا دَخَلَتْ فِيهَا الْجَهَالَةُ لَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ. وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ وَصِيَّةٍ صَحَّتْ لَجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ، صَحَّتْ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ كَالْفُقَرَاءِ. وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْأَغْنِيَاءِ قُرْبَةٌ، وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْهَدِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَنِيٍّ. وَأَمَّا جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى وَاحِدٍ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى الدَّفْعِ فِي الزَّكَاةِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ.
[مَسْأَلَة الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ]
(٤٦٦٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَلِلْحَمْلِ جَائِزَةٌ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَكَلَّمَ بِالْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ فَتَصِحُّ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا، بِأَنْ يَكُونَ رَقِيقًا، أَوْ حَمْلَ بَهِيمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ، فَجَرَى مَجْرَى إعْتَاقِ الْحَمْلِ، فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا، وَعَلِمْنَا وُجُودَهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، أَوْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ؛ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِمَا تَحْمِلُ جَارِيَتِي هَذِهِ، أَوْ نَاقَتِي هَذِهِ، أَوْ نَخْلَتِي هَذِهِ. جَازَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ صِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، فَصَحِيحَةٌ أَيْضًا، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَبِذَلِكَ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ جَرَتْ مَجْرَى الْمِيرَاثِ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا انْتِقَالَ الْمَالِ مِنْ الْإِنْسَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ، إلَى الْمُوصَى لَهُ، بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَانْتِقَالِهِ إلَى وَارِثِهِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمِيرَاثَ وَصِيَّةً، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] . وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٢] . وَالْحَمْلُ يَرِثُ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْسَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْمُخَالِفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute