بِثُلُثِهِ، أَوْ وَصَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ الْأُولَى. وَبِهَذَا قَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَدَاوُد: وَصِيَّتُهُ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لِلثَّانِي بِمَا وَصَّى بِهِ لِلْأَوَّلِ، فَكَانَ رُجُوعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: مَا وَصَّيْت بِهِ لِبِشْرٍ فَهُوَ لِبَكْرٍ. وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُنَافِي الْأُولَى، فَإِذَا أَتَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا لِوَرَثَتِي. وَلَنَا، أَنَّهُ وَصَّى لَهُمَا بِهَا، فَاسْتَوَيَا فِيهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُمَا: وَصَّيْت لَكُمَا بِالْجَارِيَةِ. وَمَا قَاسُوا عَلَيْهِ صَرَّحَ فِيهِ بِالرُّجُوعِ عَنْ وَصِيَّتِهِ لِبِشْرٍ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَصَدَ التَّشْرِيكَ، فَلَمْ تَبْطُلْ وَصِيَّةُ الْآخَرِ بِالشَّكِّ.
[فَصْلٌ وَصَّى بِعَبْدِ لِرَجُلٍ ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ]
(٤٦٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا. وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلثَّانِي ثُلُثُهُ كَامِلًا. وَإِنْ وَصَّى بِعَبْدِهِ لِاثْنَيْنِ، فَرَدَّ أَحَدُهُمَا وَصِيَّتَهُ، فَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ. وَإِنْ وَصَّى لِاثْنَيْنِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ، فَرَدَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، وَرَدَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيَّتَهُ، فَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهِ مُنْفَرِدًا، وَزَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ، فَكَمُلَ لَهُ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ.
[فَصْل أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ وَصَّى بِالثُّلُثِ لِبِشْرِ وَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ]
(٤٦٨١) فَصْلٌ: إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ وَصَّى بِالثُّلُثِ لِبِشْرٍ، وَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَرَدَّ الْوَارِثُ الْوَصِيَّتَيْنِ، وَكَانَ الْوَارِثُ رَجُلًا عَاقِلًا عَدْلًا، وَشَهِدَ بِالْوَصِيَّةِ، حَلَفَ مَعَهُ الْمُوصَى لَهُ، وَاشْتَرَكَا فِي الثُّلُثِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يُشَارِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ. بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ. وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَيْسَ بِعَدْلٍ، أَوْ كَانَ امْرَأَةً، فَالثُّلُثُ لِمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ ثَابِتَةٌ، وَلَمْ تَثْبُتْ وَصِيَّةُ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَأَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ، أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ، وَأَقَرَّ لِفُلَانٍ بِهِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِوَاحِدٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِآخَرَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَنْقُصُ بِهِ حَقُّ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَيَشْهَدَ بِذَلِكَ، وَيَحْلِفَ مَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَيُشَارِكَهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ بِبَيِّنَةٍ
وَإِنْ أَقَرَّ لِلثَّانِي فِي الْمَجْلِسِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ ثَبَتَ فِي الْجَمِيعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. وَالثَّانِي، يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ كَالْحَالِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّ الْخِرَقِيِّ قَالَ: وَإِذَا خَلَّفَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ لِآخَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute