وَالثَّانِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ لَبِسَهُ، فَكَانَ حُلِيًّا، كَالسِّوَارِ وَالْخَاتَمِ. وَإِنْ لَبِسَ سَيْفًا مُحَلًّى، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ لَيْسَ بِحُلِيٍّ. وَإِنْ لَبِسَ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ لَهَا دُونَهُ، فَأَشْبَهَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى.
وَالثَّانِي، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ، وَلَا يُقْصَدُ بِلُبْسِهَا مُحَلَّاةً فِي الْغَالِبِ إلَّا التَّجَمُّلُ بِهَا. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا، فَلَبِسَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ مِنْ أَصَابِعِهِ، حَنِثَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي لُبْسًا مُعَيَّنًا، مُعْتَادًا، وَلَيْسَ هَذَا مُعْتَادًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْقَلَنْسُوَةَ فِي رِجْلِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَابِسٌ لِمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ لُبْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ائْتَزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ، وَأَمَّا إدْخَالُ الْقَلَنْسُوَةِ فِي رِجْلِهِ، فَهُوَ عَبَثٌ وَسَفَهٌ، بِخِلَافِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخِنْصَرِ وَغَيْرِهَا، إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْخِنْصَرِ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَبَكْرٌ]
(٨٠٩٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَأَكَلَ طَعَامًا، اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَبَكْرٌ، حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالشِّرَاءِ) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالًا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِشِرَائِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ هُوَ وَغَيْرُهُ.
وَلَنَا، أَنَّ زَيْدًا مُشْتَرٍ لِنِصْفِهِ، وَهُوَ طَعَامٌ، وَقَدْ أَكَلَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، ثُمَّ خَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ عَمْرٌو، فَأَكَلَ الْجَمِيعَ، وَأَمَّا الثَّوْبُ، فَلَا نُسَلِّمُ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نِصْفَ الثَّوْبِ لَيْسَ بِثَوْبٍ، وَنِصْفُ الطَّعَامِ طَعَامٌ، وَقَدْ أَكَلَهُ بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ. وَإِنْ اشْتَرَى زَيْدٌ نِصْفَهُ مُشَاعًا، أَوْ اشْتَرَى نِصْفَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْآخَرُ بَاقِيَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، حَنِثَ. وَالْخِلَافُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ اشْتَرَى زَيْدٌ نِصْفَهُ مُعَيَّنًا، ثُمَّ خَلَطَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ، فَأَكَلَ الْجَمِيعَ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، حَنِثَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ يَقِينًا.
وَإِنْ أَكَلَ نِصْفَهُ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ انْفِرَادُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْحِنْثُ ظَاهِرًا ظُهُورًا كَثِيرًا. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحِنْثِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَكْلَهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا يَحْنَثُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute