وَلَنَا، أَنَّهُ يُفْرِخُ فِي الْمَاءِ وَيَبِيضُ فِيهِ، فَكَانَ مِنْ حَيَوَانِهِ، كَالسَّمَكِ، فَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ، فَفِيهِ الْجَزَاءُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، غَيْرَ مَا حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: حَيْثُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنْ صَيْدِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُفْرِخُ فِي الْبَرِّ وَيَبِيضُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْمَاءَ لِيَعِيشَ فِيهِ وَيَكْتَسِبَ مِنْهُ، فَهُوَ كَالصَّيَّادِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْجَرَادِ، فَعَنْهُ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، لَا جَزَاءَ فِيهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَكَعْبٌ: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ. وَقَالَ عُرْوَةُ: هُوَ نَثْرَةُ حُوتٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَصَابَنَا ضَرْبٌ مِنْ جَرَادٍ، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَّا يَضْرِبُ بِسَوْطِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقِيلَ: إنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَذَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» . وَعَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَفِيهِ الْجَزَاءُ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِكَعْبٍ فِي جَرَادَتَيْنِ: مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك؟ قَالَ: دِرْهَمَانِ. قَالَ: بَخٍ، دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ ". وَلِأَنَّهُ طَيْرٌ يُشَاهَدُ طَيَرَانُهُ فِي الْبَرِّ، وَيُهْلِكُهُ الْمَاءُ إذَا وَقَعَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْعَصَافِيرَ. فَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى فَوَهُمْ. قَالَهُ أَبُو دَاوُد. فَعَلَى هَذَا يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ.
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ عَنْ الْجَرَادَةِ. وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ التَّقْدِيرَ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ فِيهِ أَقَلَّ شَيْءٍ.
وَإِنْ افْتَرَشَ الْجَرَادُ فِي طَرِيقِهِ، فَقَتَلَهُ بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ، عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، وُجُوبُ جَزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِنَفْعِ نَفْسِهِ، فَضَمِنَهُ، كَالْمُضْطَرِّ يَقْتُلُ صَيْدًا يَأْكُلُهُ. وَالثَّانِي، لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى إتْلَافِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ.
[الْفَصْل السَّادِس جَزَاءَ مَا كَانَ دَابَّةً مِنْ الصَّيْدِ نَظِيرُهُ مِنْ النَّعَمِ]
(٢٦٧٠) الْفَصْلُ السَّادِسُ، أَنَّ جَزَاءَ مَا كَانَ دَابَّةً مِنْ الصَّيْدِ نَظِيرُهُ مِنْ النَّعَمِ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْوَاجِبُ الْقِيمَةُ وَيَجُوزُ فِيهَا الْمِثْلُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] . وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الضَّبُعِ كَبْشًا.
وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى إيجَابِ الْمِثْلِ، فَقَالَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةُ: فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ. وَحَكَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَدَنَةٍ. وَحَكَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute