لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا تُؤْخَذُ إصْبَعٌ بِإِصْبَعِ، إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الِاسْمِ وَالْمَوْضِعِ، وَلَا تُؤْخَذُ أُنْمُلَةٌ بِأُنْمُلَةِ، إلَّا أَنَّ يَتَّفِقَا فِي ذَلِكَ، وَلَا تُؤْخَذُ عُلْيَا بِسُفْلَى وَلَا وُسْطَى، وَالْوُسْطَى وَالسُّفْلَى لَا تُؤْخَذَانِ بِغَيْرِهِمَا، وَلَا تُؤْخَذُ السِّنُّ بِالسِّنِّ إلَّا أَنْ يُتَّفَقَ مَوْضِعُهُمَا وَاسْمُهُمَا. وَلَا تُؤْخَذُ إصْبَعٌ وَلَا سِنٌّ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةِ، وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ، وَلَا زَائِدَةٌ بِزَائِدَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
[فَصْلٌ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قِصَاصًا]
(٦٧٢٠) فَصْلٌ: وَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قِصَاصًا، لَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا وَاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالِاسْتِبَاحَةِ وَالْبَذْلِ، وَلِذَلِكَ لَوْ بَذَلَهَا لَهُ ابْتِدَاءً، لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا، وَلَا يَحِلُّ لَأَحَدٍ قَتْلُ نَفْسِهِ، وَلَا قَطْعُ طَرَفِهِ، فَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ بِبَذْلِهِ، فَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ بَدَلًا عَنْ الْأُخْرَى، فَقَطَعَهَا الْمُقْتَصُّ، سَقَطَ الْقَوَدُ، لِأَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ فِي الْأُولَى بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فِي قَطْعِهَا، وَدِيَاتُهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَلِذَلِكَ قَالَ: لَوْ قَطَعَ الْمُقْتَصُّ الْيَدَ الْأُخْرَى عُدْوَانًا، لَسَقَطَ الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الْأَلَمِ وَالدِّيَةِ وَالِاسْمِ، فَتُقَاصَّا وَتَسَاقَطَا، وَلِأَنَّ إيجَابَ الْقِصَاصِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ بِهِمَا جَمِيعًا. وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوُضُوحِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَطْعَيْنِ مَضْمُونٌ بِسِرَايَتِهِ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ أَخَذَهَا عُدْوَانًا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِتَرَاضِيهِمَا، فَلَا قِصَاصَ فِي الثَّانِيَةِ، لِرِضَا صَاحِبِهَا بِبَذْلِهَا، وَإِذْنِهِ فِي قَطْعِهَا، وَفِي وُجُوبِهِ فِي الْأُولَى وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ، لِمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي، لَا يَسْقُطُ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يَثْبُتْ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى حَقِّهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِخَمْرٍ وَقَبَّضَهُ إيَّاهُ. فَعَلَى هَذَا، لَهُ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ إلَّا بَعْدَ انْدِمَال الْأُخْرَى، وَلِلْجَانِي دِيَةُ يَدِهِ، فَإِذَا وَجَبَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دِيَةُ يَدِهِ، وَكَانَتْ الدِّيَتَانِ وَاحِدَةً، تَقَاصَّا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْأُخْرَى، كَالرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ لِصَاحِبِهِ.
[فَصْلٌ طَلَب الْمُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي إخْرَاجَ الْيُمْنَى فَأَخْرَجَ الْيُسْرَى]
(٦٧٢١) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ الْمُقْتَصُّ لِلْجَانِي: أَخْرِجْ يَمِينَك لِأَقْطَعْهَا. فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ يُجْزِئُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَطَعَهَا عَالِمًا بِهَا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ إنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَاطِعِهَا وَلَا قَوَدَ. لِأَنَّهُ بَذَلَهَا بِإِخْرَاجِهِ لَهَا لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَقَدْ يَقُومُ الْفِعْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute