النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَلَدَ الزِّنَى شَرُّ الثَّلَاثَةِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَأَنْ أُمَتِّعَ بِسَوْطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ وَلَدَ زَنِيَّةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَنَا، دُخُولُهُ فِي مُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ كَامِلُ الْعَمَلِ، لَمْ يَعْتَضْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اسْتَحَقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَأَجْزَأَ عِتْقُهُ، كَوَلَدِ الرَّشِيدَةِ. فَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَمِّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِهَا؛ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَدُ الزِّنَى هُوَ الْمُلَازِمُ لِلزِّنَى، كَمَا يُقَالُ: ابْنُ السَّبِيلِ الْمُلَازِمُ لَهَا، وَوَلَدُ اللَّيْلِ الَّذِي لَا يَهَابُ السَّرِقَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: هُوَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ أَصْلًا وَعُنْصُرًا وَنَسَبًا؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الزِّنَى، وَهُوَ خَبِيثٌ.
وَأَنْكَرَ قَوْمٌ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ وَالِدَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَفِي الْجُمْلَةِ، هَذَا يَرْجِعُ إلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، أَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا، فَهُوَ كَغَيْرِهِ، فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِ، وَبَيْعِهِ، وَعِتْقِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي إجْزَاءِ عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا.
[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَجِدْ إطْعَامًا وَلَا كِسْوَةً وَلَا عِتْقًا فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(٨٠٥٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدًا، أَجْزَأَهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَجِدْ إطْعَامًا، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا عِتْقًا، انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] .
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، إلَّا فِي اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ فِي الصَّوْمِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُهُ، كَذَلِكَ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute