للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ]

(٤٧٢٥) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مُقَامَ نُطْقِهِ فِي طَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، فَلَا حُكْمَ لَهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِمَا. فَأَمَّا النَّاطِقُ إذَا اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ، فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ وَصِيَّتَهُ، فَأَشَارَ بِهَا، وَفُهِمَتْ إشَارَتُهُ، لَمْ تَصِحَّ وَصِيتُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ، أَشْبَهَ الْأَخْرَسَ. وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى وَهُوَ قَاعِدٌ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ، فَقَعَدُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَجْهًا إذَا اتَّصَلَ بِاعْتِقَالِ لِسَانِهِ الْمَوْتُ. وَلَنَا، أَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بِإِشَارَتِهِ، كَالْقَادِرِ عَلَى الْكَلَامِ

وَالْخَبَرُ لَا يُلْزِمُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ إشَارَةَ الْقَادِرِ لَا تَصِحُّ بِهَا وَصِيَّةٌ وَلَا إقْرَارٌ، فَفَارَقَ الْأَخْرَسَ، لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ نُطْقِهِ.

[فَصْلٌ وَصَّى عَبْدٌ أَوْ مَكَاتِب أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَصِيَّةً ثُمَّ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ]

(٤٧٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَصِيَّةً، ثُمَّ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ، فَلَا وَصِيَّةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمْ. وَإِنْ أَعْتَقُوهُمْ ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَصِيَّتَهُمْ، صَحَّتْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَوْلًا صَحِيحًا وَأَهْلِيَّةً تَامَّةً، وَإِنَّمَا فَارَقُوا الْحُرَّ بِأَنَّهُمْ لَا مَالَ لَهُمْ، وَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ، كَمَا لَوْ وَصَّى الْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَغْنَى. وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: مَتَى عَتَقْت ثُمَّ مِتّ، فَثُلُثِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً، فَعَتَقَ وَمَاتَ، صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ.

[فَصْلٌ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ]

(٤٧٢٧) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ، وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ، وَالذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ. رُوِيَ إجَازَةُ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: ٦]

هُوَ وَصِيَّة الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بَاعَتْ حُجْرَتَهَا مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ لَهَا أَخٌ يَهُودِيٌّ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُسْلِمَ فَيَرِثَ، فَأَبَى، فَأَوْصَتْ لَهُ بِثُلُثِ الْمِائَةِ. وَلِأَنَّهُ تَصِحُّ لَهُ الْهِبَةُ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، كَالْمُسْلِمِ، وَإِذَا صَحَّتْ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ، فَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلذِّمِّيِّ أَوْلَى. وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَا تَصِحُّ بِهِ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ

وَلَوْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ، أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ، بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقَفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، كَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>