للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي مَلَّكَهُ إيَّاهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ: زَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ. هَذَا مَذْهَبُ سُفْيَانَ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ: لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ؛ لَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ، إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَمْلِكُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ اخْتِيَارِيٌّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّيِّدَ مَالِكًا لِمَالِ عَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ مِلْكَيْنِ كَامِلَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ، فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ كَالْبَهَائِمِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ زَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ فِي يَدِ عَبْدِهِ، فَكَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ. وَالثَّانِيَةُ، يَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ يَمْلِكُ النِّكَاحَ، فَمَلَكَ الْمَالَ، كَالْحُرِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْآدَمِيَّةِ يَتَمَهَّدُ لِلْمِلْكِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَالَ لِبَنِي آدَمَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ، وَأَعْبَاءِ التَّكَالِيفِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا.

فَبِالْآدَمِيَّةِ يَتَمَهَّدُ لِلْمِلْكِ وَيَصْلُحُ لَهُ، كَمَا يَتَمَهَّدُ لِلتَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَلَا عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى تَامِّ الْمِلْكِ. (١٧٤١) فَصْلٌ: وَمِنْ بَعْضُهُ حُرٌّ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَمِلْكُهُ كَامِلٌ فِيهِ، فَكَانَتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ، كَالْحُرِّ الْكَامِلِ. وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِيهِمَا.

[مَسْأَلَة لَا زَكَاة عَلَى مُكَاتَب]

(١٧٤٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا زَكَاةَ عَلَى مُكَاتَبٍ) فَإِنْ عَجَزَ اسْتَقْبَلَ سَيِّدُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ حَوْلًا وَزَكَاةً، إنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ أَدَّى، وَبَقِيَ فِي يَدِهِ نِصَابٌ لِلزَّكَاةِ، اسْتَقْبَلَ بِهِ حَوْلًا. لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ فِي مَالِهِ؛ إلَّا قَوْلَ أَبِي ثَوْرٍ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَ هَذَا. وَاحْتَجَّ أَبُو ثَوْرٍ بِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْ السَّيِّدِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، كَالْحَجْرِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَرْهُونِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ بِزَكَاةٍ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ.» رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَمْ تَجِبْ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَفَارَقَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُنِعَ التَّصَرُّفَ لِنَقْصِ تَصَرُّفِهِ، لَا لِنَقْصِ مِلْكِهِ، وَالْمَرْهُونُ مُنِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِعَقْدِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَتَى كَانَ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِدَيْنٍ لَا يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>