للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبُيُوتِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ لِلَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجْت مُسَافِرًا فَلَا تَقْصُرْ الصَّلَاةَ يَوْمَك ذَلِكَ إلَى اللَّيْلِ، وَإِذَا رَجَعْت لَيْلًا فَلَا تَقْصُرْ لَيْلَتَك حَتَّى تُصْبِحَ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: ١٠١] .

وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا. وَحَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْهَمَذَانِيُّ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَخْرَجَهُ إلَى صِفِّينَ، فَرَأَيْته صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْجِسْرِ وَقَنْطَرَةِ الْكُوفَةِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: خَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ. قَالَ: لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا. وَلِأَنَّهُ مُسَافِرٌ، فَأُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ، كَمَا لَوْ بَعُدَ.

(١٢٣٦) فَصْلٌ: وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ، وَصَارَ بَيْنَ حِيطَانِ بَسَاتِينِهِ، فَلَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْبُيُوتَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَوْلَ الْبَلَدِ خَرَابٌ قَدْ تَهَدَّمَ وَصَارَ فَضَاءً، أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ حِيطَانُهُ قَائِمَةً فَكَذَلِكَ. قَالَهُ الْآمِدِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُبَاحُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ السُّكْنَى فِيهِ مُمْكِنَةٌ، أَشْبَهَ الْعَامِرَ. وَلَنَا، أَنَّهَا غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِلسُّكْنَى، أَشْبَهَتْ حِيطَانَ الْبَسَاتِينِ.

وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ نَهْرٌ فَاجْتَازَهُ، فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ وَلَمْ يُفَارِقْ الْبُنْيَانَ، فَأَشْبَهَ الرَّحْبَةَ وَالْمَيْدَانَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ. وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ مَحَالُّ، كُلُّ مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى، كَبَغْدَادَ، فَمَتَى خَرَجَ مِنْ مَحَلَّتِهِ أُبِيحَ لَهُ الْقَصْرُ إذَا فَارَقَ مَحَلَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ، لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ جَمِيعَهَا. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ مُتَدَانِيَتَيْنِ، فَاتَّصَلَ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ، فَلِكُلِّ قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا.

(١٢٣٧) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْبَدَوِيُّ فِي حِلَّةٍ، لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ حِلَّتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ حِلَلًا فَلِكُلِّ حِلَّةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا، كَالْقُرَى. وَإِنْ كَانَ بَيْتُهُ مُنْفَرِدًا فَحَتَّى يُفَارِقَ مَنْزِلَهُ وَرَحْلَهُ، وَيَجْعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، كَالْحَضَرِيِّ.

[مَسْأَلَة الرُّخَصَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسَّفَرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْجَمْع]

(١٢٣٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (إذَا كَانَ سَفَرُهُ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرُّخَصَ الْمُخْتَصَّةَ بِالسَّفَرِ؛ مِنْ الْقَصْرِ، وَالْجَمْعِ، وَالْفِطْرِ، وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا، وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ تَطَوُّعًا، يُبَاحُ فِي السَّفَرِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>