وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ مَعَهُ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي، وَيَقُولَ الزَّوْجُ: قَبِلْت هَذَا التَّزْوِيجَ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ رُكْنَا الْعَقْدِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِمَا. وَلَنَا أَنَّ نَعَمْ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: أَزَوَّجْت وَقَبِلْت، وَالسُّؤَالُ يَكُونُ مُضْمَرًا فِي الْجَوَابِ مُعَادًا فِيهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي.
وَمَعْنَى نَعَمْ مِنْ الْمُتَزَوِّجِ: قَبِلْت هَذَا التَّزْوِيجَ. وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] كَانَ إقْرَارًا مِنْهُمْ بِوُجْدَانِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا مَا وَعَدَهُمْ رَبُّهُمْ حَقًّا. وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. كَانَ إقْرَارًا صَحِيحًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَلَا يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَبِمِثْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ التَّزْوِيجُ، كَمَا لَوْ لَفَظَ بِذَلِكَ.
[فَصْلٌ قَالَ زَوَّجْتُك ابْنَتِي فَقَالَ قَبِلْت]
(٥٢٩٠) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي. فَقَالَ: قَبِلْت. انْعَقَدَ النِّكَاحُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَقُولَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ هَذَا التَّزْوِيجَ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي النِّكَاحِ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالْإِضْمَارِ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ، كَلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَبُولَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، فَانْعَقَدَ بِهِ، كَمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ. وَقَوْلُهُمْ: يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ. مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ جَوَابٌ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْمَذْكُورِ.
[فَصْلٌ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ]
(٥٢٩١) فَصْلٌ: وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا إجْمَاعًا، وَهُمَا اللَّذَانِ وَرَدَ بِهِمَا نَصُّ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] . وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي هَذِهِ. فَيَقُولَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ هَذَا التَّزْوِيجَ. وَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد: يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ. وَفِي لَفْظِ الْإِجَارَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالِكٌ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الْمَهْرَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً، فَقَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ تَزْوِيجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute