قَدْ أَرَيْتنَا قُدْرَتَك، فَأَرِنَا عَفْوَك. وَيُقَالُ: اُنْظُرْ إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ. أَيْ مَقْدُورِهِ. فَمَتَى أَقْسَمَ بِهَذَا، كَانَ يَمِينًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إذَا قَالَ: وَعِلْمِ اللَّهِ. لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْلُومَ. وَلَنَا، أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَكَانَتْ الْيَمِينُ بِهِ يَمِينًا مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ، كَالْعَظَمَةِ، وَالْعِزَّةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَيَنْتَقِضُ مَا ذَكَرُوهُ بِالْقُدْرَةِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَلَّمُوهَا، وَهِيَ قَرِينَتُهَا.
فَأَمَّا إنْ نَوَى الْقَسَمَ بِالْمَعْلُومِ، وَالْمَقْدُورِ، اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِالِاسْمِ غَيْرَ صِفَةٍ لِلَّهِ، مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مَا نَوَاهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الْقَسَمَ بِمَحْلُوفٍ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُسَمَّى بِهَا غَيْرُ اللَّهِ - تَعَالَى. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَمِينًا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةُ غَيْرِ صِفَةِ اللَّهِ - تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ لِلصِّفَةِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ نِيَّةُ غَيْرِ الصِّفَةِ، كَالْعَظَمَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ، فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفَةِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، أَنَّهَا تَكُونُ يَمِينًا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ إلَّا إلَى اسْمِ اللَّهِ، كَذَا هَذَا.
الثَّالِثُ، مَالًا يَنْصَرِفُ بِإِطْلَاقِهِ إلَى صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ يَنْصَرِفُ بِإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - لَفْظًا أَوْ نِيَّةً، كَالْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ، وَالْأَمَانَةِ، وَنَحْوِهِ. فَهَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا مُكَفَّرَةً إلَّا بِإِضَافَتِهِ أَوْ نِيَّتِهِ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ قَالَ وَحَقِّ اللَّه]
(٧٩٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا كَفَّارَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ طَاعَتُهُ وَمَفْرُوضَاتُهُ، وَلَيْسَتْ صِفَةً لَهُ.
وَلَنَا، أَنَّ لِلَّهِ حُقُوقًا يَسْتَحِقُّهَا لِنَفْسِهِ؛ مِنْ الْبَقَاءِ، وَالْعَظَمَةِ، وَالْجَلَالِ، وَالْعِزَّةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ بِالْحَلِفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَتَنْصَرِفُ إلَى صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ. وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْقَسَمَ بِمَخْلُوقٍ، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَلِفِ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، إلَّا أَنَّ احْتِمَالَ الْمَخْلُوقِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَظْهَرُ.
[فَصْلٌ قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ]
(٧٩٥٦) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ. فَهِيَ يَمِينٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، إنْ قَصَدَ الْيَمِينَ، فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ يَمِينًا بِتَقْدِيرِ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أُقْسِمُ بِهِ. فَيَكُونُ مَجَازًا، وَالْمَجَازُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْإِطْلَاقُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَقْسَمَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِ اللَّهِ، فَكَانَ يَمِينًا مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، كَالْحَلِفِ بِبَقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَلِفُ بِبَقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَحَيَاتِهِ. وَيُقَالُ: الْعَمْرُ وَالْعُمُرُ وَاحِدٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَحَقِّ اللَّهِ. وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute