للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةً، لَا نَأْمَنُ أَنْ يَدْخُلُوا، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَدْخُلُوا، فَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُمْ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ يُؤْخَذُ مِنْ التِّجَارَةِ، فَلَا يُؤْخَذُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ، كَالزَّكَاةِ، وَنِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ الذِّمِّيِّ.

وَقَوْلُهُمْ: يَفُوتُ. غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ مَرَّةً، وَيَكْتُبُ الْآخِذُ لَهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ تِلْكَ السَّنَةُ، فَإِذَا جَاءَ فِي الْعَامِ الثَّانِي، أُخِذَ مِنْهُ، فِي أَوَّلِ مَا يَدْخُلُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَمَا فَاتَ مِنْ حَقِّ السَّنَةِ الْأُولَى شَيْءٌ.

[فَصْلٌ لَيْسَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ دُخُولُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ]

(٧٦٨٥) فَصْلٌ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ دُخُولُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ جَاسُوسًا، أَوْ مُتَلَصِّصًا، فَيَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ، سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: جِئْت رَسُولًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تَزَلْ الرُّسُلُ تَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ أَمَانٍ. وَإِنْ قَالَ: جِئْت تَاجِرًا. نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ، قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا، وَحُقِنَ دَمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِدُخُولِ تُجَّارِهِمْ إلَيْنَا وَتُجَّارِنَا إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَتَّجِرُ بِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ لَا تُحَصَّلُ بِغَيْرِ مَالٍ.

وَكَذَلِكَ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رِسَالَةٌ يُؤَدِّيهَا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ رَسُولًا. وَإِنْ قَالَ: أَمَّنَنِي مُسْلِمٌ. فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، يُقْبَلُ، تَغْلِيبًا لِحَقْنِ دَمِهِ، كَمَا يُقْبَلُ مِنْ الرَّسُولِ وَالتَّاجِرِ. وَالثَّانِي، لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مُمْكِنَةٌ. فَإِنْ قَالَ: مُسْلِمٌ: أَنَا أَمَّنْته. قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَمِّنَهُ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ، كَالْحَاكِمِ إذَا قَالَ: حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ.

وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا، خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ؛ كَالْأَسِيرِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إلَيْنَا فِي مَرْكَبٍ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ.

[مَسْأَلَةٌ نَقَضَ الْعَهْدَ بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ]

(٧٦٨٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ، بِمُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ، حَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ عِنْدَ عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا، نَحْوَ مَا شَرَطَهُ عُمَرُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: كَتَبَ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: إنَّا حِينَ قَدِمْنَا مِنْ بِلَادِنَا، طَلَبْنَا إلَيْك الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا، عَلَى أَنَّا شَرَطْنَا لَك عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لَا نُحْدِثَ فِي مَدِينَتِنَا كَنِيسَةً، وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا، وَلَا قلاية، وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>