وَالشَّافِعِيِّ، وَالنُّعْمَانِ وَأَصْحَابِهِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ جَازَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ فِي الْبَعْضِ، كَالْإِبْرَاءِ وَالْإِنْظَارِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ السَّلَفَ فِي الْغَالِبِ يُزَادُ فِيهِ فِي الثَّمَنِ مِنْ أَجْلِ التَّأْجِيلِ، فَإِذَا أَقَالَهُ فِي الْبَعْضِ، بَقِيَ الْبَعْضُ بِالْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ وَبِمَنْفَعَةِ الْجُزْءِ الَّذِي حُصِلَتْ الْإِقَالَةُ فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْإِبْرَاءُ وَالْإِنْظَارُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
(٣٢٣٩) فَصْلٌ: إذَا أَقَالَهُ، رَدَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضًا عَنْهُ، فَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَيْسَ لَهُ صَرْفُ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي عَقْدٍ آخَرَ حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إلَى غَيْرِهِ» . وَلِأَنَّ هَذَا مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ قَرْضًا. وَلِأَنَّهُ مَالٌ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ إذَا فُسِخَ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَضْمُونٌ بَعْدَ فَسْخِهِ، وَالْخَبَرُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ هَذَا. فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ قَرْضًا أَوْ ثَمَنًا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ سَلَمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ وَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ إذَا فُسِخَتْ.
[مَسْأَلَةٌ أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ ثَمَنًا وَاحِدًا]
(٣٢٤٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ ثَمَنًا وَاحِدًا، لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ) صُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ يُسْلِمَ دِينَارًا وَاحِدًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ، وَلَا يُبَيِّنَ ثَمَنَ الْحِنْطَةِ مِنْ الدِّينَارِ، وَلَا ثَمَنَ الشَّعِيرِ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ. وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ عَلَى جِنْسَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ، جَازَ عَلَيْهِمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَكَمَا لَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ أَحَدِهِمَا.
وَلَنَا، أَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنْسَيْنِ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ مُفْرَدًا بِثَمَنِ مَجْهُولٍ. وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا لِأَنَّنَا لَا نَأْمَنُ الْفَسْخَ بِتَعَذُّرِ أَحَدِهِمَا، فَلَا يَعْرِفُ بِمَ يَرْجِعُ؟ وَهَذَا غَرَرٌ أَثَّرَ مِثْلُهُ فِي السَّلَمِ. وَبِمِثْلِ هَذَا عَلَّلْنَا مَعْرِفَةَ صِفَةِ الثَّمَنِ وَقَدْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ثَمَّ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ إلَى أَجَلَيْنِ، وَلَا يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَا هَاهُنَا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، حَتَّى يُبَيِّنَ حِصَّةَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ.
وَالْأَوْلَى صِحَّةُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنْهُمَا؛ إنْ تَعَذَّرَ النِّصْفُ رَجَعَ بِنِصْفِهِمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُمْسُ رَجَعَ بِدِينَارِ وَعَشْرَةِ دَرَاهِمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute