للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكَانَ الْكُلُّ طَهُورًا، فَالْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى.

وَإِنْ انْضَمَّ إلَى مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَكَثُرَ الْمُسْتَعْمَلُ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ مُنِعَ، وَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِاجْتِمَاعِهِ فَكَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ الْمَنْعُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ.» وَإِنْ انْضَمَّ مُسْتَعْمَلٌ إلَى مُسْتَعْمَلٍ وَلَمْ يَبْلُغْ الْقُلَّتَيْنِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْمَنْعِ، وَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ]

(٢٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، وَهُوَ خَمْسُ قِرَبٍ، فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ، فَهُوَ طَاهِرٌ) . وَالْقُلَّةُ: هِيَ الْجَرَّةُ، سُمِّيت قُلَّةً لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي، أَيْ تُحْمَلُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} [الأعراف: ٥٧] وَيَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ.

وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا قُلَّتَانِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ، وَهُمَا خَمْسُ قِرَبٍ، كُلُّ قِرْبَةٍ مِائَةُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ. هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجْعَلَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا.

وَرَوَى الْأَثْرَمُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُ قِرَبٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ فِي " كِتَابِهِ "؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، قَالَ: رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، وَأَظُنُّ كُلَّ قِلَّةٍ تَأْخُذُ قُرْبَيْنِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ.

وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ عَلَى تَقْدِيرِ كُلِّ قِرْبَةٍ بِمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِمَّنْ اخْتَبَرَ قِرَبَ الْحِجَازِ، وَعَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ مِقْدَارُهَا.

وَإِنَّمَا خَصَصْنَا هَذَا بِقِلَالِ هَجَرَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مُبَيَّنًا، رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ، فِي " مَعَالِمِ السُّنَنِ " بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَالثَّانِي أَنَّ قِلَالَ هَجَرَ أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ، وَأَشْهُرُهَا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ: وَهِيَ مَشْهُورَةُ الصَّنْعَةِ، مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ. لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ؛ وَلِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَقَعُ بِالْمَجْهُولِ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ الْحَبَابُ، وَهِيَ مُسْتَفِيضَةٌ مَعْرُوفَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الْقُلَّتَيْنِ عَلَيْهَا؛ لِشُهْرَتِهَا وَكِبَرِهَا، فَإِنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ جُعِلَ مِقْدَارًا وَاحِدًا لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا أَكْبَرَهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْعِلْمِ، وَأَقَلُّ فِي الْعَدَدِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ نِصَابُ الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ، دُونَ الْآصُعِ وَالْأَمْدَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>