قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ اللَّبِنَ وَالْقَصَبَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْخَشَبَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ اللَّبِنَ وَيَكْرَهُونَ الْخَشَبَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي تَابُوتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ، وَفِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَرْضُ أَنْشَفُ لِفَضَلَاتِهِ. وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بِنَاءِ الْمُتْرَفِينَ، وَسَائِرُ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ، تَفَاؤُلًا بِأَنْ لَا تَمَسَّهُ النَّارُ.
[فَصْلٌ إذَا فَرَغَ مِنْ اللَّحْدِ أَهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ]
(١٥٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا فَرَغَ مِنْ اللَّحْدِ أَهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَيُتَوَقَّى وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَرَوَى السَّاجِيُّ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ قَبْرُهُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ. وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ تُرَابِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُجْعَلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ التُّرَابِ أَكْثَرُ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ حِينَ حُفِرَ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُزَادَ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى حُفْرَتِهِ» وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْقَبْرِ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالْمُشْرِفُ مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْقَاسِمِ فِي صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ: لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ مَاءٌ لِيَلْتَزِقَ تُرَابُهُ.
قَالَ أَبُو رَافِعٍ «سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدًا وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً» رَوَاهُمَا الْخَلَّالُ جَمِيعًا.
[فَصْلٌ لَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ]
(١٥٨٧) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّمَ الرَّجُلُ الْقَبْرَ عَلَامَةً يَعْرِفُهُ بِهَا، وَقَدْ عَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمُطَّلِبِ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute