فَظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومُ فِي الرُّفُوفِ كُلِّهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: كَلَامُ أَحْمَدَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسَمَّرَةِ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُسَمَّرَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَالَفَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ فَأَشْبَهَتْ الْقُمَاشَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُكْتَرِي، وَلِلْمُكْرِي ظَاهِرٌ يُعَارِضُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْمُكْرِيَ يَتْرُكُ الرُّفُوفَ فِي الدَّارِ، وَلَا يَنْقُلُهَا عَنْهَا، فَإِذَا تَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، اسْتَوَيَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. فَعَلَى هَذَا، إذَا تَحَالَفَا، كَانَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَنَكَلَ الْآخَرُ، فَهِيَ لِمَنْ حَلَفَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلرَّفِّ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ تَحَالَفَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ فَالشَّكْلُ تَابِعٌ لِلدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الرَّفَّيْنِ لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ مَقْلُوعٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ، كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَى، وَالْمِفْتَاحِ مَعَ السَّكْرَةِ.
وَوَجْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فِي أَنَّ الرُّفُوفَ لِصَاحِبِ الدَّارِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَرْكِ الرُّفُوفِ فِي الدَّارِ، وَلَمْ تَجْرِ بِنَقْلِ الْمُكْتَرِي لَهَا مَعَهُ، فَكَانَتْ لِصَاحِبِ الدَّارِ، كَاَلَّذِي لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ، وَلِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَهَا أَوْتَادٌ مَنْصُوبَةٌ، فَالْأَوْتَادُ لِصَاحِبِ الدَّارِ، فَكَذَلِكَ مَا نُصِبَتْ لَهُ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيِّ مِنْ الرَّحَى إذَا كَانَ السُّفْلَانِيُّ مَنْصُوبًا، وَمِفْتَاحِ السَّكْرَةِ الْمُسَمَّرَةِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْخَيَّاطُ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَاخْتَلَفَا فِي الْإِبْرَةِ وَالْمِقَصِّ]
(٨٥٦٠) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْخَيَّاطُ فِي دَارِ غَيْرِهِ، فَاخْتَلَفَا فِي الْإِبْرَةِ وَالْمِقَصِّ، فَهِيَ لِلْخَيَّاطِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهِمَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَعَا خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ، فَالْعَادَةُ أَنَّهُ يَحْمِلُ مَعَهُ إبْرَتَهُ وَمِقَصَّهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَمِيصِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْمِلَ الْقَمِيصَ مَعَهُ يَخِيطُهُ فِي دَارِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْعَادَةُ أَنْ يَخِيطَ قَمِيصَ صَاحِبِ الدَّارِ فِيهَا. وَإِنْ اخْتَلَفَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالنَّجَّارُ فِي الْقَدُومِ، وَالْمِنْشَارِ، وَآلَةِ النِّجَارَةِ، فَهِيَ لِلنَّجَّارِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْخَشَبَةِ الْمَنْجُورَةِ وَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ الْمَنْشُورَةِ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّجَّادُ وَرَبُّ الدَّارِ فِي قَوْسِ النَّدْفِ، فَهُوَ لِلنَّجَّادِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْفَرْشِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّارِ وَالسَّقَّا فِي الْقِرْبَةِ، فَهِيَ لِلسَّقَّا. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْخَابِيَةِ وَالْجِرَارِ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ تَنَازَعَ رَجُلَانِ دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ أَخَذَ بِزِمَامِهَا]
(٨٥٦١) فَصْلٌ: وَإِذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، فَالرَّاكِبُ أَوْلَى بِهَا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute