مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَعْمَلَ. قُلْت: إنْ كَانَ يَحْتَاجُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ يَحْتَاجُ لَا يَعْتَكِفْ. (٢١٦٤)
فَصْلٌ: إذَا خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ عَامِدًا، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ. وَإِنْ خَرَجَ نَاسِيًا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَاسِيًا، فَلَمْ تَفْسُدْ الْعِبَادَةُ، كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلِاعْتِكَافِ، وَهُوَ لُزُومُ لِلْمَسْجِدِ، وَتَرْكُ الشَّيْءِ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ سَوَاءٌ، كَتَرْكِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ، لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ إلَى عَائِشَةَ فَتَغْسِلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (٢١٦٥)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ صُعُودُ سَطْحِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْجُنُبُ مِنْ اللُّبْثِ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إلَيْهَا، لِقَوْلِهِ فِي الْحَائِضِ: يُضْرَبُ لَهَا خِبَاءٌ فِي الرَّحْبَةِ. وَالْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَرَوَى عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَخْرُج إلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ. قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ فَهِيَ كَالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا مَعَهُ، وَتَابِعَةٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحُوطَةً، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ. فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَحَمَلَهُمَا عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ. فَإِنْ خَرَجَ إلَى مَنَارَةٍ خَارِجَ الْمَسْجِد لِلْأَذَانِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ مَنَارَةَ الْمَسْجِدِ كَالْمُتَّصِلَةِ بِهِ.
[مَسْأَلَة الْوَطْء فِي الِاعْتِكَاف]
(٢١٦٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ فَقَدْ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الِاعْتِكَافِ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧] .
فَإِنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مُتَعَمِّدًا أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ، بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ. وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إذَا حُرِّمَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا، كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ. وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ إمَامِنَا وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، فَلَمْ تُفْسِدْ الِاعْتِكَافَ، كَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَا حُرِّمَ فِي الِاعْتِكَافِ اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ فِي إفْسَادِهِ، كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَلِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ دُونَ الْفَرْجِ لَا تُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ، إلَّا إذَا اقْتَرَنَ بِهَا الْإِنْزَالُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute