أَحَدُهُمَا، يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ كَفَّارَةٍ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ فِي يَوْمَيْنِ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَاحِدٍ، كَالْقَدْرِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الزَّكَاةِ. وَالثَّانِي، لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ طَعَامَ اثْنَيْنِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ أَطْعَمَ اثْنَيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، جَازَ. وَلَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِهِ خِلَافًا.
وَكَذَلِكَ إنْ أَطْعَمَ وَاحِدًا مِنْ كَفَّارَتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ،، جَازَ أَيْضًا، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. فَلَوْ كَانَ عَلَى وَاحِدٍ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ، وَعِنْدَهُ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ، يُطْعِمُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ كَفَّارَةً يُفَرِّقُهَا عَلَيْهِمْ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ عَنْ عُهْدَتِهِ، وَبَيَانُ أَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ، أَنَّهُ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ كَفَّارَةٍ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ، وَالْحُكْمُ فِي الْكِسْوَةِ كَالْحُكْمِ فِي الطَّعَامِ، عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ.
[مَسْأَلَة الْكِسْوَةَ أَحَدُ أَصْنَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
(٨٠٣٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَإِنْ شَاءَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ؛ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْكِسْوَةَ أَحَدُ أَصْنَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِنَصِّ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] .
وَلَا تَدْخُلُ فِي كَفَّارَةٍ غَيْرِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ كِسْوَةِ عَشَرَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] . وَتَتَقَدَّرُ الْكِسْوَةُ بِمَا يُجْزِئُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَثَوْبٌ تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً، فَدِرْعٌ وَخِمَارٌ.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَمِمَّنْ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ السَّرَاوِيلُ. الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: ثَوْبٌ جَامِعٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ مِسْكِينٍ حُلَّةٌ؛ إزَارٌ وَرِدَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُجْزِئُهُ ثَوْبٌ ثَوْبٌ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: يُجْزِئُ الْعِمَامَةُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَبَاءَةٌ وَعِمَامَةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، مِنْ سَرَاوِيلَ، أَوْ إزَارٍ، أَوْ رِدَاءٍ، أَوْ مُقَنَّعَةٍ، أَوْ عِمَامَةٍ، وَفِي الْقَلَنْسُوَةِ وَجْهَانِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِسْوَةِ، فَأَجْزَأَ، كَاَلَّذِي تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْكِسْوَةَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَالْإِطْعَامِ وَالْإِعْتَاقِ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ عِبَادَةٌ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْكِسْوَةُ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا أَقَلُّ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، كَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَيَتَقَدَّرُ، كَالْإِطْعَامِ، وَلِأَنَّ اللَّابِسَ مَا لَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ إنَّمَا يُسَمَّى عُرْيَانًا، وَلَا مُكْتَسِيًا، وَكَذَلِكَ لَابِسُ السَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ، أَوْ مِئْزَرٍ، يُسَمَّى عُرْيَانًا، فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute