وَإِنْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ فَمَاتَ، وَاخْتَلَفَا، هَلْ بَرَأَ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَوْ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ؟ أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: إنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، كَأَنْ لُدِغَ، أَوْ ذَبَحَ نَفْسَهُ، أَوْ ذَبَحَهُ غَيْرُهُ. فَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ آخَرَ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ، سَوَاءً. وَأَمَّا إذَا مَاتَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَقْدِيمُ قَوْلِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْجِنَايَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ مَعَهُ. وَالثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الدِّيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وُجِدَ سَبَبُهُمَا، حَتَّى يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُمَا. فَإِنْ كَانَتْ دَعْوَاهُمَا بِالْعَكْسِ، فَقَالَ الْوَلِيُّ: مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ قَطْعِك، فَعَلَيْك الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ. فَقَالَ الْجَانِي: بَلْ انْدَمَلَتْ جِرَاحُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. أَوْ ادَّعَى مَوْتَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْدِمَالِ، وَعَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ يَحْصُلُ الزَّهُوقُ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجُرْحُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ، كَقَطْعِ الْيَدِ مِنْ مَفْصِلٍ وَلَا يُوجِبُهُ، كَالْجَائِفَةِ وَالْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ مَفْصِلٍ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[مَسْأَلَةٌ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ كَافِرًا عَبْدًا فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ]
(٦٦٦٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَلَوْ رَمَى، وَهُوَ مُسْلِمٌ كَافِرًا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ، وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ، إذَا مَاتَ مِنْ سَهْمِهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجِبُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ ظُلْمًا عَمْدًا، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى مُسْلِمًا حَيًّا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ رَمَى عَبْدًا كَافِرًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ فِي الْعَبْدِ دِيَةُ عَبْدٍ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ نَاشِئَةٌ عَنْ إرْسَالِ السَّهْمِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا، كَحَالَةِ الْجُرْحِ. فَأَمَّا الْكَافِرُ، فَمَذْهَبُهُ أَنَّ دِيَتَهُ دِيَةُ الْمُسْلِمِ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ. وَلَنَا عَلَى دَرْءِ الْقِصَاصِ، أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى نَفْسٍ مُكَافِئَتِهِ لَهُ حَالَ الرَّمْيِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، كَمَا لَوْ رَمَى حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ أَتْلَفَ حُرًّا، فَضَمِنَهُ ضَمَانَ الْأَحْرَارِ، كَمَا لَوْ قَصَدَ صَيْدًا. وَمَا قَالَهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا رَمَى حَيًّا فَأَصَابَهُ مَيِّتًا، أَوْ صَحِيحًا فَأَصَابَهُ مَعِيبًا.
وَلَنَا عَلَى أَنَّ دِيَتَهُ تَجِبُ لِوَرَثَتِهِ دُونَ سَيِّدِهِ، وَأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ تَجِبُ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ دُونِ الْكُفَّارِ، إنْ مَاتَ مُسْلِمًا حُرًّا، فَكَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ حَالَ رَمْيِهِ، وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute