للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ بِهِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَالثَّانِي، لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ، كَالدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ. وَفَارَقَ الرَّهْنَ؛ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّهْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الرُّجُوعُ. فَهُوَ مُخَيَّرٌ؛ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ نَاقِصًا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ بِثَمَنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ

وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ خَالِيًا مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ.

[فَصْلٌ أَفْلَسَ الْمُشْتَرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ]

(٣٤٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ خُرُوجِ الْمَبِيعِ مِنْ مِلْكِهِ

؛ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ وَقْفٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْمُفْلِسِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِي يُمْكِنُهُ اسْتِرْجَاعُهُ بِخِيَارِ لَهُ، أَوْ عَيْبٍ فِي ثَمَنِهِ، أَوْ رُجُوعِهِ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا

وَخُرُوجُ بَعْضِهِ كَخُرُوجِ جَمِيعِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ أَفْلَسَ بَعْد رُجُوعِ ذَلِكَ إلَى مِلْكِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا، لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ خَالِيًا عَنْ حَقِّ غَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَبِعْهُ. وَالثَّانِي، لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ فَسْخَهُ. ذَكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ، أَنَّهُ إنْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، كَبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ إرْثٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ. وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ، كَالْإِقَالَةِ، وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ اسْتَنَدَ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ الثَّانِي لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا أَزَالَ السَّبَبَ الْمُزِيلَ لِمُلْكِ الْبَائِعِ، فَثَبَتَ الْمِلْكُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَمَلَكَ اسْتِرْجَاعَ مَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهِ بِبَيْعِهِ.

[فَصْلٌ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَأَفْلَسَ الْمُشْتَرَى]

(٣٤٣٨) فَصْلٌ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: الْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ. هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِيهِ عَادَ الشِّقْصُ إلَيْهِ، فَزَالَ الضَّرَرُ عَنْ الشَّفِيعِ، لِأَنَّهُ عَادَ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَمْ تَتَجَدَّدْ شَرِكَةُ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّ الشَّفِيعَ أَحَقُّ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى، بَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ ثَبَتَ بِالْحَجْرِ، وَحَقَّ الشَّفِيعِ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ انْتِزَاعَ الشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمِمَّنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، مَا دَامَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَزُولُ الضَّرَرُ عَنْهُ بِرَدِّهِ إلَى الْبَائِعِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهِ، أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ، أَوْ أَقَالَهُ، لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فِي عَيْنٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، وَهَذِهِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الشَّفِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>