وَالثَّالِثُ، أَنَّهُ انْتَقَلَ ثَمَّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَهَا هُنَا بِعِوَضٍ.
فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ، وَكَانَ نَصِيبُهُ حُرًّا، وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى، عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَجَزَ، عَادَ الْجُزْءُ الْمُكَاتَبُ رَقِيقًا قِنًّا، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ. فَإِنَّهُ يُسْتَسْعَى عِنْدَ عَجْزِهِ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ، وَلَا يُسْتَسْعَى فِي حَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ سِعَايَةٌ فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَاسْتُغْنِيَ بِهَا عَنْ السِّعَايَةِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ، فَإِذَا عَجَزَ وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ، بَطَلَتْ، وَرَجَعَ إلَى السِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَكَاتَبَاهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّى إلَيْهِمَا تِسْعمِائَةِ مُنَاصَفَة ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ]
(٨٨٢٧) فَصْلٌ: وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَكَاتَبَاهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَدَّى إلَيْهِمَا تِسْعَمِائَةٍ؛ لِهَذَا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَلِهَذَا أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا، أَعْتَقَ نَصِيبَهُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ مَالٌ، أَدَّى إلَى شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ، لَا يُحَاسِبُهُ بِهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّزَهُ، فَيَعُودَ إلَى الرِّقِّ، أَوْ يَمُوتَ، فَيَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ، أَنَّهُ يَعْتِقُ إلَّا نِصْفَ الْمِائَةِ عَلَى هَذَا، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ عَلَى قَدْرِ مَا أَعْتَقَ. فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى تُوَافِقُ قَوْلَ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْمُعْتِقِ غَرَامَةَ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ نِصْفُ قِيمَتِهِ، عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَتَقَ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَاتَبًا، قَدْ أَدَّى كِتَابَتَهُ إلَّا مِائَةً مِنْهَا، وَهِيَ عُشْرُهَا.
وَأَمَّا رِوَايَةُ حَنْبَلٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، فِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْجُزْءِ الْمُكَاتَبِ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ نَصَرْنَا الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ]
(٨٨٢٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ، وَرُدَّ فِي الرِّقِّ، فَهُوَ لِسَيِّدِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ مِنْ صَدَقَةِ. تَطَوُّعٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ. وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، هُوَ لِسَيِّدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْعَلُهُ فِي السَّبِيلِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ أَمْسَكَهُ فَلَا بَأْسَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، فَيُجْعَلُ فِي الْمُكَاتَبِينَ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ. وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي، أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى أَرْبَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دُفِعَ إلَيْهِ لِيُصْرَفَ فِي الْعِتْقِ، فَإِذَا لَمْ يُصْرَفْ فِيهِ، وَجَبَ رَدُّهُ، كَالْغَازِي وَالْغَارِمِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute