للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ شَاهَدْنَا الْعَبْدَ مَعِيبًا، فَقَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ مَعِيبًا قَبْلَ غَصْبِهِ. وَقَالَ الْمَالِكُ: تَعَيَّبَ عِنْدَك. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ. وَإِنْ غَصَبَهُ خَمْرًا، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُهُ: تَخَلَّلَ عِنْدَكَ. وَأَنْكَرَ الْغَاصِبُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ، وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ، أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَاشْتِغَالُ الذِّمَّةِ بِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي تَلَفِهِ، فَادَّعَاهُ الْغَاصِبُ، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَتَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ فَلِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ، فَلَزِمَ بَدَلُهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه.

وَإِنْ قَالَ: غَصَبْت مِنِّي حَدِيثًا. فَقَالَ: بَلْ عَتِيقًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِيثِ، وَلِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ.

[فَصْلٌ بَاعَ عَبْدًا فَادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ غَصَبَهُ]

(٣٩٩٣) فَصْلٌ: وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا، فَادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ غَصَبَهُ الْعَبْدَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، انْتَقَضَ الْبَيْعُ، وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَأَقَرَّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَحْدَهُ، لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَزِمَتْ الْبَائِعَ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ، وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الظَّاهِرِ، وَلِلْبَائِعِ إحْلَافُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْلِكَ مُطَالَبَتَهُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي يُقِرُّ لَهُ بِالثَّمَنِ، فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، فَوَجَبَ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِي السَّبَب بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُكْمِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: عَلَيْك أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ الْبَيْعِ. فَقَالَ: بَلْ أَلْفٌ مِنْ قَرْضٍ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اسْتِرْجَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِيه. وَمَتَى عَادَ الْعَبْدُ إلَى الْبَائِعِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى مُدَّعِيه، وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا أَخَذَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ إقْرَارُ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ، فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِمَا يَفْسَخُهُ. وَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، لَزِمَهُ رَدُّ الْعَبْدِ وَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَيَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْهُ.

وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِمَا أَقَرَّ بِهِ، قُبِلَتْ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ. وَإِنْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً، إذَا كَانَ هُوَ الْمُقِرَّ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْبَيْعِ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا أَوْ مِلْكِي هَذَا. لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهَا وَتُكَذِّبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ، قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَغَيْرَ مِلْكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>