للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَفْهُومِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّأْبِيرَ حَدًّا لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِلثَّمَرَةِ، فَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حَدًّا، وَلَا كَانَ ذِكْرُ التَّأْبِيرِ مُفِيدًا. وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ كَامِنٌ لِظُهُورِهِ غَايَةٌ، فَكَانَ تَابِعًا لِأَصْلِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَغَيْرَ تَابِعٍ لَهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ، كَالْحَمْلِ فِي الْحَيَوَانِ.

فَأَمَّا الْأَغْصَانُ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي اسْمِ النَّخْلِ، وَلَيْسَ لِانْفِصَالِهَا غَايَةٌ، وَالزَّرْعُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا.

[الْفَصْلُ الثَّانِي مَتَى اشْتَرَطَ الثَّمَرَة أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَهِيَ لَهُ مُؤَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ]

(٢٨٧٧) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَتَى اشْتَرَطَهَا أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَهِيَ لَهُ مُؤَبَّرَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، الْبَائِعُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي سَوَاءٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ اشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّأْبِيرِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهَا مَعَ أَصْلِهَا، وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ لَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ تَرْكِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَ حَائِطًا، وَاسْتَثْنَى نَخْلَةً بِعَيْنِهَا، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الثُّنْيَا، إلَّا أَنْ تُعْلَمَ» . وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ لِلثَّمَرَةِ، كَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَصْلُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» .

وَلَوْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الثَّمَرَةِ مَعْلُومًا، كَانَ ذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ جَمِيعِهَا فِي الْجَوَازِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَوْلِ أَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا وَرَدَ بِاشْتِرَاطِ جَمِيعِهَا. وَلَنَا، أَنَّ مَا جَازَ اشْتِرَاطُ جَمِيعِهِ، جَازَ اشْتِرَاطُ بَعْضِهِ، كَمُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَالِ الْعَبْدِ إذَا اشْتَرَطَ بَعْضَهُ.

[الْفَصْلُ الثَّالِثُ الثَّمَرَةُ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعِ فَلَهُ تَرْكُهَا فِي الشَّجَرِ إلَى أَوَانِ الْجِزَازِ]

(٢٨٧٨) الْفَصْلُ الثَّالِثُ: إنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَقِيَتْ لِلْبَائِعٍ، فَلَهُ تَرْكُهَا فِي الشَّجَرِ إلَى أَوَانِ الْجِزَازِ، سَوَاءٌ اسْتَحَقَّهَا بِشَرْطِهِ أَوْ بِظُهُورِهَا. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ قَطْعُهَا، وَتَفْرِيغُ النَّخْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَشْغُولٌ بِمُلْكِ الْبَائِعِ، فَلَزِمَ نَقْلُهُ وَتَفْرِيغُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ، أَوْ قُمَاشٌ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّ النَّقْلَ وَالتَّفْرِيغَ لِلْمَبِيعِ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ، لَمْ يَجِبْ نَقْلُهُ إلَّا عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَنْقُلَهُ نَهَارًا، شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ لَيْلًا، وَلَا جَمْعُ دَوَابِّ الْبَلَدِ لِنَقْلِهِ. كَذَلِكَ هَاهُنَا، يُفَرِّغُ النَّخْلَ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي أَوَانِ تَفْرِيغِهَا، وَهُوَ أَوَانُ جِزَازِهَا، وَقِيَاسُهُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِمَا بَيَّنَّاهُ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْمَرْجِعُ فِي جَزِّهِ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ نَخْلًا، فَحِينَ تَتَنَاهَى حَلَاوَةُ ثَمَرِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا بُسْرُهُ خَيْرٌ مِنْ رُطَبِهِ، أَوْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَخْذِهِ بُسْرًا، فَإِنَّهُ يَجُزُّهُ حِينَ تَسْتَحْكِمُ حَلَاوَةُ بُسْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَادَةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>