للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْعَبْدَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَجِدُنِي إذًا كَاسِدًا. قَالَ: لَكِنَّك عِنْدَ اللَّهِ لَسْت بِكَاسِدٍ» وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْمَعَارِيضِ، وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا، فَقَالَ «لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» .

وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ، وَقَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَرَكْت الْأَمِيرَ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ يَأْمُرُ وَيَنْهَى. فَلَمَّا مَاتَ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ قُلْت ذَلِكَ؟ قَالَ: تَرَكْته يَأْمُرُ بِالصَّبْرِ، وَيَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ وَالْجَزَعِ.

وَيُرْوَى عَنْ شَقِيقٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً، وَتَحْتَهُ أُخْرَى، فَقَالُوا: لَا نُزَوِّجُك حَتَّى تُطَلِّقَ امْرَأَتَك. فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا. فَزَوَّجُوهُ، فَأَقَامَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا: قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ كَانَ لِي ثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَطَلَّقْتهنَّ قَالُوا: بَلَى. قَالَ قَدْ طَلَّقْت ثَلَاثًا. فَقَالُوا: مَا هَذَا أَرَدْنَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ شَقِيقٌ لِعُثْمَانَ فَجَعَلَهَا نِيَّتَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَجُلٌ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّعْرِيفَ بِهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إنَّ لَهُ بَيْتًا وَشَرَفًا. فَقِيلَ لِلشَّعْبِيِّ بَعْدَ مَا ذَهَبَ الرَّجُلُ: تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ نَظَرَ إلَيَّ. قِيلَ: فَكَيْفَ أَثْنَيْت عَلَيْهِ؟ قَالَ: شَرَفُهُ أُذُنَاهُ، وَبَيْتُهُ الَّذِي يَسْكُنُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أُخِذَ عَلَى شَرَابٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ:

أَنَا ابْنُ الَّذِي لَا يُنْزِلُ الدَّهْرُ قِدْرَهُ ... وَإِنْ نَزَلَتْ يَوْمًا فَسَوْفَ تَعُودُ

تَرَى النَّاسَ أَفْوَاجًا عَلَى بَابِ دَارِهِ ... فَمِنْهُمْ قِيَامٌ حَوْلَهَا وَقُعُودُ

فَظَنُّوهُ شَرِيفًا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَسَأَلُوا عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ.

وَأَخَذَ الْخَوَارِجُ رَافِضِيًّا، فَقَالُوا لَهُ: تَبْرَأُ مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ. فَقَالَ: أَنَا مِنْ عَلِيٍّ، وَمِنْ عُثْمَانَ بَرِيءٌ. فَهَذَا وَشِبْهُهُ هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ بِهِ الظَّالِمُ، وَيَسُوغُ لِغَيْرِهِ مَظْلُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَظْلُومٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمُزَاحِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِهِ إلَيْهِ.

[فَصْل وَالْمُسْتَحِيلُ نَوْعَانِ فِي الْيَمِينِ]

(٨٠١٤) فَصْلٌ: وَالْمُسْتَحِيلُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، مُسْتَحِيلٌ عَادَةً، كَصُعُودِ السَّمَاءِ، وَالطَّيَرَانِ، وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَيْهِ، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْ الْبِرِّ فِيهَا، فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ. وَالثَّانِي، الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا، كَرَدِّ أَمْسِ وَشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ، وَلَا تَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ.

وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ قَارَنَهَا مَا يَحُلُّهَا، فَلَمْ تَنْعَقِدْ، كَيَمِينِ الْغَمُوسِ، أَوْ يَمِينٌ عَلَى غَيْرِ مُتَصَوِّرٍ، فَأَشْبَهَتْ يَمِينَ الْغَمُوسِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ عَلَى مُتَصَوَّرٍ، أَوْ مُتَوَهَّمِ التَّصَوُّرِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>