وَالثَّانِي يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَزُورِ. وَإِطْلَاقُ اللَّحْمِ فِي الْحَيَوَانِ يُرَادُ بِهِ جُمْلَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، كَانَ تَحْرِيمًا لِجُمْلَتِهِ، كَذَا هَاهُنَا.
[فَصْل مَا عَدَا لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ لَا وُضُوءَ فِيهِ]
(٢٦٧) فَصْلٌ: وَمَا عَدَا لَحْمَ الْجَزُورِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ لَا وُضُوءَ فِيهِ، سَوَاءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ، الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ فِيهِ خِلَافًا.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ، مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» وَفِي لَفْظٍ «إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ.
وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ» وَقَوْلُ جَابِرٍ «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
[مَسْأَلَة الْوُضُوء مِنْ غَسْل الْمَيِّت]
(٢٦٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَغَسْلُ الْمَيِّتِ. اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ؛ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ بِوُجُوبِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْسُولُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالنَّخَعِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِلَ الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَقَلُّ مَا فِيهِ الْوُضُوءُ. وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ. وَلِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى فَرْجِ الْمَيِّتِ، فَكَانَ مَظِنَّةُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ حَقِيقَتِهِ، كَمَا أُقِيمَ النَّوْمُ مَقَامَ الْحَدَثِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا وُضُوءَ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّرْعِ. وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذَا نَصٌّ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. وَلِأَنَّهُ غَسْلُ آدَمِيٍّ. فَأَشْبَهَ غَسْلَ الْحَيِّ. وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْوُجُوبِ، فَإِنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْغَسْلَ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَأَنْ لَا يُوجِبَ الْوُضُوءَ بِقَوْلِهِ، مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، أَوْلَى وَأَحْرَى.
[مَسْأَلَة مُلَاقَاةُ جِسْمِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ لِشَهْوَةِ]
(٢٦٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمُلَاقَاةُ جِسْمِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ لِشَهْوَةٍ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّ لَمْسَ النِّسَاءِ لِشَهْوَةٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يَنْقُضُهُ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ.