للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَفِي رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَصِحُّ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِي. وَهَلْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ أَشْهَرُهُمَا ثُبُوتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، أَنَّهُمَا تَبَايَعَا دَارَيْهِمَا بِالْكُوفَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: إنَّك قَدْ غَبِنْت، فَقَالَ: مَا أُبَالِي؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ. وَقِيلَ لِطَلْحَةَ، فَقَالَ: لَيّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّنِي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ. فَتَحَاكَمَا إلَى جُبَيْرٍ، فَجَعَلَ الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ. وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ صِحَّتُهُ إلَى رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَالنِّكَاحِ.

وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُوصَفُ لَهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ بَيْعٍ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ، كَالسَّلَمِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا تَبَايَعَا بِالصِّفَةِ، عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَفِي كَوْنِهِ حُجَّةً خِلَافٌ، وَلَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنِّكَاحُ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمُعَاوَضَةُ، وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ، وَلَا يُتْرَكُ ذِكْرُهُ، وَلَا يَدْخُلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخِيَارَات.

وَفِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُخَدَّرَات وَإِضْرَارٌ بِهِنَّ. عَلَى أَنَّ الصِّفَات الَّتِي تُعْلَمُ بِالرُّؤْيَةِ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَةَ بِالنِّكَاحِ، فَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» . وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ. قُلْنَا: هَذَا يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيم الْكُرْدِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالْبَيْعِ، كَدَاخِلِ الثَّوْبِ، وَشَعْرِ الْجَارِيَةِ، وَنَحْوِهِمَا. فَلَوْ بَاعَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا، أَوْ عَيْنًا حَاضِرَةً، لَا يُشَاهَدُ مِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لِأَجْلِهِ، كَانَ كَبَيْعِ الْغَائِبِ.

وَإِنْ حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ فِي الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَيَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا. وَقِيلَ: يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ الَّذِي وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ. وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ، كَحَالَةِ الرُّؤْيَةِ.

وَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ، لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إلْزَامِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَجْهُولِ، فَيُفْضِي إلَى الضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَايَعَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِذَلِكَ. وَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ]

(٢٧٧٣) فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ الرُّؤْيَةُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>