[فَصْل لَا فَرْقَ فِي قَبُول الشَّهَادَة بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا]
(٨٣٣٩) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُبِلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعِي مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ شُرِعَتْ فِي حَقِّهِ الْيَمِينُ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، كَالْمُنْكِرِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ.
[فَصْل الْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ]
(٨٣٤٠) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ، اسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ: فَإِنْ أَبَى الْمَطْلُوبُ أَنْ يَحْلِفَ، ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي]
(٨٣٤١) فَصْلٌ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينُ الْمُدَّعِي. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْبَلُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْأَمْوَالِ أُقِيمَتَا مُقَامَ الرَّجُلِ، فَحَلَفَ مَعَهُمَا، كَمَا يَحْلِفُ مَعَ الرَّجُلِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ إذَا خَلَتْ مِنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ أُقِيمَتَا مُقَامَ رَجُلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكَفَى أَرْبَعُ نِسْوَةٍ مَقَامَ رَجُلَيْنِ، وَلَقُبِلَ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ ضَعِيفَةٌ، تَقَوَّتْ بِالرَّجُلِ، وَالْيَمِينَ ضَعِيفَةٌ، فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ، فَلَا يُقْبَلُ.
[فَصْلٌ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ]
(٨٣٤٢) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ، أَوْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَجَبَ لَهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ. وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ عَمْدًا، فَأَقَامَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ السَّرِقَةَ تُوجِبُ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ مَعًا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ، وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ مُوجَبُهُ الْقِصَاصُ عَيْنًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُبْدَلُ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالِاخْتِيَارِ، أَوْ التَّعَذُّرِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجِبُ الْمَالُ فِي السَّرِقَةِ أَيْضًا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْمَالَ، فَإِذَا بَطَلَتْ فِي إحْدَاهُمَا بَطَلَتْ فِي الْأُخْرَى. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَ أَخَاهُ بِسَهْمٍ عَمْدًا فَقَتَلَهُ، وَنَفَذَ إلَى أَخِيهِ الْآخَرِ فَقَتَلَهُ خَطَأً، وَأَقَامَ