أَوْ مَغْصُوبٌ، لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا؛ لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ قَالَ: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ فَقَدْ قَطَعَ اجْتِهَادَهَا فِيهِ، فَإِذَا أَعْطَتْهُ إيَّاهُ، وُجِدَتْ الصِّفَةُ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَجْهَانِ كَذَلِكَ. وَعَلَى قَوْلِهِمْ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، هَلْ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا مَعْنَاهَا الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْهَا عِنْدَ إطْلَاقِهَا التَّمْكِينُ مِنْ تَمَلُّكِهِ، بِدَلِيلِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ؛ وَلِأَنَّ الْعَطِيَّةَ هَا هُنَا التَّمْلِيكُ، بِدَلِيلِ حُصُولِ الْمِلْكِ بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لَهَا، وَانْتِفَاءِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلْقِهَا وَاحِدَةً]
(٥٧٨١) مَسْأَلَةٌ قَالَ (وَإِذَا قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَزِمَهَا التَّطْلِيقَةُ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا، فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا الْأَلْفُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَدْعَتْ مِنْهُ فِعْلًا بِعِوَضٍ، فَإِذَا فَعَلَ بَعْضَهُ اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ مِنْ الْعِوَضِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبِيدِي فَلَهُ أَلْفٌ. فَرَدَّ ثُلُثَهُمْ، اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَكَذَلِكَ فِي بِنَاءِ الْحَائِطِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ. وَلَنَا، أَنَّهَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ لَمْ يُجِبْهَا إلَيْهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ: مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ فَلَهُ أَلْفٌ. فَسَبَقَ إلَى بَعْضِهَا. أَوْ قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَيْك بِأَلْفٍ. فَقَالَ: بِعْتُك أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ. وَكَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَافَقَنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَاءَ لِلْعِوَضِ دُونَ الشَّرْطِ، وَعَلَى لِلشَّرْطِ، فَكَأَنَّهَا شَرَطَتْ فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأَلْفَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي حُرُوفِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْبَاءِ وَاحِدٌ، وَقَدْ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَضَرَّتِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ. وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الْمُطَلَّقَةِ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ.
(٥٧٨٢) فَصْلٌ: فَإِنْ: قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَك أَلْفٌ. فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، إنْ طَلَّقَهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا كَمَذْهَبِهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute